تزاحم في اولويات السياسة الخارجية للدول العظمى: ما موقف العراق؟

140
  • د. جواد الهنداوي

ما بين الدول العظمى اليوم (واقصد امريكا وروسيا والصين) تبادل تصريحات غير ودّية ، وحرب ساخنة (وليس باردة) بالوكالة، وتناقض في اولويات الدول العظمى على الصعيد السياسي و الاقتصادي الاستراتيجي، الاولويات وحسب التسلسل الزمني والاهميّة والمتداولة في المشهد السياسي الدولي هي؛ الملف النووي الايراني وحرب اوكرانيا واسعار النفط والتطبيع مع اسرائيل او مصلحة اسرائيل.

مصلحة اسرائيل والتسريع في وتيرة التطبيع مع المملكة العربية السعّودية، كذلك الحد من الارتفاع في اسعار النفط و زيادة انتاجه هي اولويات أمريكا و هي ايضاً المرتكز الاساسي لسياستها الخارجية . تحقيق الاهداف المرّجوة من حرب اوكرانيا، وصمود روسيا اقتصادياً و نقدياً هي اولويات روسيا. اضعاف امريكا اقتصادياً وسياسياً، واستغلال الوضع الدولي الراهن للتوسع نقدياً واقتصادياً، والتأكيد على المرجعية الصينيّة لتايون هي أولويات الصين.

دول المنطقة الاقليمية (ايران، تركيا)، والعربية، وخاصة النفطية (المملكة العربية السعودية، والعراق) والاخرى التي تواجه الاحتلال والارهاب، وفوضى الديمقراطية وحريات “التعبير” (العراق، سوريا، لبنان، اليمن)، تراقب وتتابع وتجتهد لاتخاذ مواقف واغتنام فرصة اختلاف الاولويات والمصالح بين الدول العظمى، من اجل تحقيق مكاسب واهداف، صَعُبَ نيّلها ،قبل مرحلة الاختلاف في الاولويات التي نعيشها اليوم .

على سبيل المثال، استطاعت المملكة العربية السعودية اليوم ،مالم تستطعْ تحقيقه بالامس، الا وهو تنازل الرئيس بايدن عن عنادهِ في التواصل مع الامير محمد بن سلمان، واستعداده (اي الرئيس بايدن) على زيارة المملكة و لقاء الامير في الرياض في نهاية الشهر الجاري . استطاعت المملكة من ادارة ملف علاقاتها مع امريكا، في زمن الرئيس بايدن ، بنجاح، مغتنمة ما جرى و يجري من احداث وأختلاف في اولويات الدول العظمى، وخاصة بين روسيا و امريكا . تواصلت المملكة دبلوماسياً مع ايران، ومن خلال وسطاء، ومن خلال تصريحات ايجابية تجاه ايران فأزعجت في ذلك اسرائيل وأقلقتها، وراحت اسرائيل تلوم بايدن و تنتقده لمواقفه المتزمتّه تجاه المملكة. أستقبلت المملكة، قبل ثلاثة ايام ، وزير خارجية روسيا، واستضافته في اجتماع مجلس التعاون الخليجي الذي أنعقد في الرياض ، وستستقبل في نهاية الشهر الجاري الرئيس بايدن. أقدمتْ المملكة، ومن خلفها اوبك، بالموافقة على زيادة في كمية انتاج النفط باكثر من 650 الف برميل يوميّاً ، و بموافقة اعضاء الاوبك و روسيا ، اي أرضتْ المملكة امريكا و الغرب بقرار جماعي (اوبك)، وليس سعودي و بحجّة مقبولة جدا (الحفاظ على توازن سوق واسعار النفط)، ودون ان تُغضِب روسيا! .

 تركيا، هي الاخرى، تستفيد من الظرف الدولي الراهن، وتوظَفه لتعزيز وتوسيع مساحة احتلالها في شمال شرق سوريا وشمال العراق، وتستعد لشن حملة عسكرية لمواجهة القوات الكردية ( قسد ) في شمال سوريا ، وتضغط على السويد وتنتقدها بسبب الدعم السياسي الذي تقدّمه السويد الى الجماعات السياسية لحزب العمال الكردستاني ،والذي تصنفّه وتعتبره انقرة منظمة ارهابيّة ، و تسعى لمقايضة موافقتها على انضمام السويد الى حلف الناتو بشرط ايقاف السويد مساعدتها السياسية لحزب العمال الكردستاني .

 لم يعُدْ الملف النووي الايراني، وعلى الاقل لمدة وجيزة، صاحب الاولوية لا لامريكا ولا لاسرائيل، لاهتمام امريكا بالحرب الدائرة في اوكرانيا وتداعياتها السياسيّة والاقتصادية، ولاهتمام اسرائيل بأستثمار سياسة التطبيع على الصعيد الاقتصادي والسياسي، وممارسة الاغتيالات (ارهاب دولي)، وتجنيد ورعاية عملاء في المنطقة، بعد انحسار دور المسّيرات الاسرائلية في الاستطلاع و الحصول على المعلومات بفعل قوة الردع التي تمتلكها المقاومة في لبنان وسوريا و العراق. وتسعى اسرائيل اساساً لعرقلة التواصل غير المباشر بين امريكا وايران، واجهاض ايّة محاولة لعودة امريكا الى الاتفاق النووي.

ماذا عن العراق؟

 يستمر العراق في مواجهة تحديات السياسة الداخلية ، ولهذه التحديات اسبقيّة واولويّة مقارنة بأستحقاقات السياسة الخارجية، و لهذا الامر اسبابه وتداعياته: ملف الخدمات كالكهرباء و الصحة والتعليم هو على قدر اهمية ، او أهّم ، بالمدى المنظور، من ملف مشكلة المياه مع تركيا و مع ايران، وفي كليهما ارادة دولية، على ما يبدو، اكثر تأثيراً من الارادة الداخلية، وبمقدورنا توظيف الظرف السياسي الدولي الراهن، من اجل احراز تقدّم في هذا او في ذلك الملف.

وملف تشكيل الحكومة و اقرار الموازنة اهّم ،في نظر الاحزاب و السلطات ، من ملف متابعة ومطالبة الجهات والدول التي تورّطت في قتل العراقيين من خلال تسليحها و دعمها للجماعات الارهابية والمسلحة بتعويضات ودّية ؛ جهات ودول اعترفت بقبيح عملها سواء في سوريا او في العراق، وفي كلا الملفيّن ارادة اقليمية ودولية وبمقدور الدولة توظيف الظرف الدولي الراهن، والاقدام على حلحلة هذا او ذلك الملف ، وتحقيق ما يصبو اليه الشعب .

 ملف فرض السيادة الوطنية على ثروات العراق ، وخاصة قطاع النفط ، وتطبيق الدستور وقرارات المحكمة الاتحادية، وجعل عائدات العراق النفطية لكل العراقيين وبتوزيع عادل ومنصف ومطابق لاحكام الدستور. والعراق قادر اليوم ،اكثر من ايّ وقت مضى ، على توظيف الظرف الدولي الراهن ،من اجل النجاح في ملف فرض السيادة الوطنية على ثروات العراق وايراداته، وان لا يكون عرضة لابتزاز بعض الدول الكبرى والتي تتحرك لخـدمة مصالح اسرائيل بالدرجة الاولى .

يتعرّض العراق، اليوم، اكثر من الامس، الى هجمات عدائية و بوسائل ناعمة، من اجل الهائه واشغاله عن اغتنام الظرف الدولي الراهن، والمُتميّز بالخلاف بين مصالح الدول الكبرى، ومنعه من تحقيق انجازات سياسيّة سواء على الصعيد الداخلي او على الصعيد الخارجي، ومن بين ادوات القوة الناعمة هو “الديمقراطية” والتي تُمارس “بالشكل المقلوب”، ايّ ضّدَ مصالح الشعب وعلى حساب مكانة وهيبة الدولة، وكذلك ” حرّية التعبير”، والتي تُمارس احياناً وبقصد على شكل “ارادة تغيير” نحو الاسوأ، حين تدعو للاشادة بعمل الباطل والامر بالمنكر ونكران المعروف.

  • المصدر/راي اليوم

اترك تعليق

قم باضافة تعليق
الرجاء ادخال اسمك هنا