بعد تسريبها.. موازنة 2021 “بنت سوداء” لـ”الورقة البيضاء”

722

بعد الضجة التي رافقت تسريب مسودة قانون موازنة 2021 العامة، ارتفع سعر صرف الدولار في البورصات العراقية الى مستويات قياسية، لأول مرة منذ 15 عاما، الأمر الذي عزز اتخاذ الحكومة لأحد الخيارات المطروحة سابقا لغايات “تقشفية” كما يرى خبراء، إذ كانت أمام خيار استقطاع نحو 20 بالمئة من رواتب الموظفين لسد العجز فيها، لكنها لجأت الى “تعويم العملة” بنفس المقدار، تفاديا لرد الفعل الشعبي تجاهها جراء اي استقطاع، من دون التفكير بتداعيات هذه الخطوة على السوق المحلية وتأثيره على حياة المواطن البسيط المرتبطة كليا بسعر الدولار.

وعن ارتباط هذه الخطوة بخطط حكومية سابقة، قال الخبير الاقتصادي نبيل جعفر في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “مشروع قانون الموازنة، وجه نيرانه نحو المواطنين، واستمد ذخيرته وبنادقه من الورقة البيضاء، لأن الموازنة في الحقيقة هي بنت هذه الورقة (البيضاء)، والتي نصت على ما يجري حاليا من ارتفاع سعر صرف الدولار، بهدف تخفيض رواتب الموظفين”، مبينا أن “هناك مجموعة اجراءات في الموازنة تعمل على تخفيض القوة الشرائية لدخل المواطن، وهي لا تطال الدخل العام للمواطن أو الموظف، ولكنها تطال الاجر الحقيقي للطرفين”.

وبين جعفر، أن “الموازنة الجديدة خفضت الدخل الشرائي للموظف بنسبة 18 بالمائة، إضافة إلى أن هناك إجراءات أخرى ستعمل على تخفيض الدخل النقدي مثل ارتفاع ضريبة البنزين والكاز بنسبة 15 بالمائة”، موضحا أن “تشكيلة كبيرة من المخصصات المالية سيطالها التقليص في الموازنة تبدأ من 20 الى 60 بالمائة، وبعضها مكرر، كالمخصصات الخاصة بالاستاذ الجامعي، حيث سيتم استقطاع 60 بالمائة من المخصصات الجامعية، و50 بالمائة من مخصصات الشهادة، وبهذه الحالة سيكون راتب المواطن العادي افضل من راتب الاستاذ الجامعي”.

ولفت، إلى أن “مخصصات أخرى لم يطلها التقليص مثل مخصصات النزاهة والقضاء الاعلى وسجناء رفحاء والخدمة الجهادية وديوان الرقابة المالية”. 

يشار الى انه تم تسريب بعض بنود الموازنة الاتحادية لعام 2021، أمس الخميس، والتي ما زالت داخل مجلس الوزراء، ولم ترسل الى مجلس النواب الذي يطالب بها لغرض مناقشتها، وتضمنت النسخة المسربة، تثبيت سعر صرف الدينار مقابل الدولار بـ1450 دينار لكل دولار، وذلك لأول مرة منذ أكثر من 15 عاما، حيث يبلغ سعر الصرف 1190 دينارا لكل دولار.

وتضمنت الموازنة ايضا، تسليم إقليم كردستان 250 ألف برميل من النفط الى الحكومة الاتحادية متمثلة بشركة سومو لتسويق النفط العراقي، في حين كان من المفترض ان يسلم الاقليم 480 ألف برميل نفط.

ومنذ ايام بدأ سعر صرف الدينار بالانخفاض مقابل الدولار، حتى بلغت اليوم ذروته بـ1400 دينار لكل دولار، بعد تسريب النسخة الاولية من الموازنة.

وتعقيبا على نشر نسخة من الموازنة، قال مصدر حكومي رفض الكشف عن اسمه، إن “الحكومة لجأت إلى رفع سعر الدولار، كخيار بديل عن الاستقطاع الذي كانت تفكر به من رواتب الموظفين لتجنب أية إثارة قد تشعل الوضع السياسي والاجتماعي من جديد”.

وتابع، أن “رفع صرف الدولار من 1190 إلى 1450 في موازنة 2021، كما تم تسريبه، هو ما سيحدث، لأنه يتناسب مع نسبة الاستقطاع المطلوبة، وهي 20 بالمئة، في مغامرة قد تؤثر على تضخم العملة وارتفاع أسعار السلع”، لافتا الى أن “التسريب كان مقصودا لجس نبض الشارع، كون مقترح تعويم العملة جاء من قبل وزارة المالية، لكن ستتم مناقشته في جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء المقبل، بالإضافة إلى بنود اخرى، وهو قابل للتعديل”.

وبعد هذا اللغط، عقدت اللجنة المالية النيابية اجتماعا طارئا، وبحسب بيان مقتضب للدائرة الإعلامية في المجلس فأن، اللجنة تعقد اجتماعاً طارئاً لبحث اسباب ارتفاع سعر صرف الدولار، ومناقشة مسودة قانون الموازنة لعام 2021 المسربة. 

أصابع أربيل

وبهذا الصدد، رأى الخبير الاقتصادي، حمزة الجواهري، في حديث لـ”العالم الجديد” أن “هذه المسودة للموازنة مكتوبة أو معدلة من قبل أطراف سياسية كردية”.

وأوضح الجواهري أسباب اتهامه الحكومة بالخضوع للجهات السياسية الكردية، بأن “الأرقام تؤكد أن الكمية التي يجب أن يسلمها الاقليم للحكومة الاتحادية تبلغ 250 الف برميل، في حين كان وزير المالية مصرا على تسليم 480 الف برميل يوميا وهذا تناقض مع ما هو معلن”، متابعا أن “تخفيض سعر الدينار ليس من متبنيات الحكومة ووزير المالية والبنك المركزي، هذا تناقض مع ما هو معلن، لذا اعتقد انه من متبنيات سياسيين كرد”.

واشار الى أن “تخفيض رواتب الموظفين الصغار والمتقاعدين كنتيجة لتخفيض قيمة الدينار، لم تتبنه الحكومة ووزارة المالية، وهو ما يمثل تناقضا يخدم الموظفين الفضائيين في كل العراق وما اكثرهم في الاقليم”، مضيفا ان “زيادة سعر البنزين ومشتقاته لا يمكن أن تتبناه الحكومة لان إيرادات المشتقات تذهب الى وزارة النفط، وليس للخزينة العامة للدولة”.

ومضى عام 2020 دون إقرار الموازنة الاتحادية، رغم أن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي تعهد خلال تسمنه منصبه بإقرار موازنة طوارئ، وهذا الأمر أدى لعجز العراق عن تمويل الرواتب ما اضطر الحكومة الى الاقتراض الداخلي مرتين، إذ صوت مجلس النواب على الاقتراض الاول في حزيران يونيو الماضي، وتلاه الاخر في تشرين الثاني نوفمبر الماضي.

ورغم اقتراض الحكومة مرتين من الاحتياطي للبنك المركزي، فان خبراء يؤكدون ان الاحتياطي العراقي لم يصل لمستوى خطر لغاية الان، وربما يصله لو تجدد الاقتراض، وهذا ما سيؤدي الى انهيار الدينار العراقي.

وفي مطلع تشرين الاول اكتوبر الماضي، أطلق الكاظمي “الورقة البيضاء” التي تضمنت آليات جديدة للإصلاح الاقتصادي على أن يكون تنفيذها بين 3 و5 سنوات، وابرز محاورها تحقيق الاستقرار المالي، وتعظيم الايرادات من خلال تنويع الجباية، فضلا عن تقليل النفقات والقضاء على الفضائيين، وتحقيق الاصلاحات العامة في المصارف.

وعن الورقة البيضاء، قال الكاظمي في وقتها، إنها “مشروع حل لأزمة إدارة الاقتصاد المزمنة، والاعتماد الكامل على النفط وعدم تنويع مصادر الدخل”.

  • العالم الجديد

اترك تعليق

قم باضافة تعليق
الرجاء ادخال اسمك هنا