عبد الله سلام – بغداد
تستمر القوى السياسية السنّية في العراق بالانقسام فيما بينها، ويعيش قادتها حالة من الصراع المستمر على الزعامة، في وقت ما زال فيه أهالي محافظاتهم يعيشون الأمرّين، من نزوح مضى عليه أكثر من 5 أعوام وتدمير مدنهم وافتقارها للخدمات، جراء العمليات العسكرية التي شهدتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ولعل آخر تجليات هذا الانقسام هو إعلان حزب “المشروع العربي” نهاية الشهر الماضي تبرؤه من بيان الجبهة العراقية البرلمانية برئاسة أسامة النجيفي.
وكانت الجبهة برئاسة النجيفي أصدرت في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بيانا قالت فيه إن قيادتها -المكونة من جبهة الإنقاذ والتنمية وكتلة المشروع العربي وكتلة الجماهير الوطنية والحزب الإسلامي والكتلة العراقية المستقلة- تعلن تشكيل جبهة برلمانية جديدة تضم 35 نائبا من قوى سياسية سنّية، في خطوة تهدف -وفقا للإعلان- إلى توحيد المواقف السنية.
وتشغل القوى السنية في البرلمان العراقي الحالي 73 مقعدا من أصل 329، موزعين على كتل سياسية عدة، قبل تشكيل تحالف المحور الوطني في أغسطس/آب 2018، وهو التجمع الأكبر للسنة بعدد 50 مقعدا نيابيا، وذلك قبل أن ينقسم فيما بعد إثر خلافات داخلية إلى تحالفين، هما القوى العراقية بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي والمحور الوطني بزعامة خميس الخنجر.

ويشهد البيت السني في الوقت الحالي انقساما جديدا بتشكيل جبهة برلمانية من 35 نائبا، تضم 5 قوى فاعلة بقيادة مشتركة لزعماء الكتل المنضوية تحتها، بهدف إيجاد حلول لمحافظاتهم وما تعانيه من إجراءات تعسفية، ولقضية الاختفاء القسري لآلاف من أبنائها، وبالمقابل لا يراها مراقبون إلا مساعي مبكرة لغايات انتخابية ومطامح سلطوية تستهدف النفوذ المتنامي لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.
ويُحمل الشارع السني ساسته مسؤولية ضعف تمثيلهم وعدم إيجاد حلول ناجعة لقضاياهم العالقة، بسبب تفرق هؤلاء الساسة وانشغالهم بمحاولات التفرد بالقرار وبالمكاسب السياسية، فضلا عمّا مورس ضد رموزهم من سياسات إقصائية إبان حقبة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، أدّت إلى صعود قيادات ناشئة لم تلق التفافا جماهيريا كما في السابق، ولا سيما بعد ضرب النسيج المجتمعي في محافظاتهم بسبب ما تعرضت له مع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وما بعده من سيطرة الفصائل الشيعية، مما أدى إلى تراجع تمثيلهم النيابي عما كان عليه في الدورات السابقة التي بلغت نحو 90 مقعدا.

منصب أبوي
وفي هذا الشأن، يقول رئيس كتلة المشروع العربي النائب أحمد الجربا -للجزيرة نت- إن الانقسامات السياسية ليست وليدة اللحظة ولا هي خاصة بالقوى السنية، فالتعددية واردة حتى على مستوى باقي الأطراف، لكن انعدام توحد الصف السني بالعادة يتمخض بكل من يتسنم رئاسة مجلس النواب السلطة العليا للسنة.
ويضيف أنه ما دام كل من يتسلم رئاسة البرلمان يحاول التفرد بالقرار واحتكار نفوذ المنصب لمصلحته، وإقصاء باقي القيادات والكفاءات، وباعتبار أن هذا الدور قد تنامى مع رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، فإن من غير الممكن السماح بذلك. ولفت إلى أن على من يكون في هذا الموقع أن يمارس الدور الأبوي تجاه باقي القوى وأن يكون جامعا لها، مما سينعكس بدوره على استقرار القرار السياسي والخدمي.
وأوضح الجربا أن الحالة التي تعيشها القوى السنية بتشكيل جبهة برلمانية جديدة في الوقت الحالي غرضها إحقاق الحق في القرار السياسي، والضغط باتجاه إعادة إعمار المحافظات التي وقعت في قبضة تنظيم الدولة سابقا، والبت في مصير أبنائها المختفين قسرا وإعادة النازحين، ولم يستبعد أن يكون من أولوياتها إقالة رئيس مجلس النواب، إذا ما استمر بمحاولة التفرد ولم يصحح مساره.

الصراعات وانعكاساتها
ويقول النائب عن الجبهة العراقية الجديدة خالد المفرجي -للجزيرة نت- إن انعكاس الحراك السياسي الجديد على واقع المحافظات المدمرة وما تحتاجه هو انعكاس طفيف، وذلك لأن حاجة المحافظات ترتبط بحكوماتها المحلية.
ويضيف أن استمرار القوى السنية على نهج صراع الزعامات السابق قد أثّر سلبا على الأداء السياسي السني وعلى رأي الجمهور، مما دفع كثيرين إلى العزوف عن الانتخابات، لافتا إلى أن الوقت الحالي ليس وقت تشكيل جبهات جديدة لأهداف انتخابية، ومن ثم فإن هدف الحراك الجديد هو إعادة الأمور إلى نصابها لا غير.
ويعتقد المفرجي أن مع هذا الحراك بات هناك قوتان سنّيتان رئيستان هما تحالف القوى العراقية والجبهة العراقية، وتمثلان عامل ضغط على جميع الأطراف لإحداث توازن حقيقي، ولا سيما مع وجود شخصية قيادية على رأس التحالف مثل أسامة النجيفي.

البداوة تغلب سمات القيادة
ومن جانبه يقول أستاذ العلوم السياسية ياسين البكري -في اتصال مع الجزيرة نت- إن الانقسام السياسي طبيعي، لكن الاختلاف هو أن المكونات الأخرى تتفق في القضايا الفدرالية العليا، أما السنة فمستوى انقساماتهم متعدد، ويفتقدون لموقف موحد في القضايا التي تهم مصالح مكوّنهم على المستوى الفدرالي، وهذا أثّر كثيرا على قضايا النازحين وانعدام القدرة على إعادتهم.
ويرى أن “توحد القيادات غير متخيل كحالة عامة تتعمق في المكون السني لأسباب تاريخية، ونتيجة طبيعة الشخصية الأقرب لروح البداوة في مسألة القيادة”، ويمكن ملاحظة ذلك بتمدد الحلبوسي ومحاولته فرض نفسه قائدا، مما أنتج قوى مقاومة تشكلت لتقويضه أو الحد من تمدده.
وتابع البكري في حديثه أنه “في الوقت ذاته نلاحظ طفو روح القيادة والمنافسة على التشكيل الجديد، حيث رفض خميس الخنجر أن يكون زعيما، مما اضطره للقبول بصيغة القيادة الجماعية، وهي صيغة أقرب إلى التفتّت من إنتاج موقف موحد”، لافتا إلى احتمال أن تكون أجندة التشكيل الجديد مقتصرة على إطاحة الحلبوسي.
الجزيرة