فرص الإسلام السياسي الشيعي في فضاء العولمة

851

الكاتب: د. معين ضابطي

باشراف الاستاذين:

علي الحسيني / السيد جواد امام جمعه زاده

ترجمة : محمد ابراهيمي كاوري

  مقدّمة

تمرّ مجتمعات القرن الحادي والعشرين في ظروف خاصة لا تستطيع فيها أن تدرك وتتفهّم موقعيّتها وظروف حياتها دون أن يكون لها درك ومعرفة في ما يجري على الساحة خارج حدودها.

وفي هذا الإطار، فإنّ الأفكار، والثقافات، والنظريّات، والرؤى، والنشاطات السياسيّة والثقافيّة والإجتماعيّة، تتخطى الحدود الجغرافيّة وتأخذ بالانتشار في العالم، فتتأثّر وتؤثّر بعضها في بعض.

وهذه الأمور المذكورة هي من آثار العولمة، ولذا فإنّ للعولمة تبعات وآثار ثقافيّة وسياسيّة تمثّل فرصة لعرض الرؤى والأفكار المختلفة0       لقد حاولنا في هذه المقالة، ومن خلال الأسلوب الوصفي والتحليلي، أن نبيّن المفاهيم السياسية للإسلام الشيعي وقضية العولمة، والإجابة عن هذا السؤال: ماهي الفرص التي تتيحُها العولمةُ للإسلام السياسي الشيعي؟ توجد ها هنا فرضية مفادها أنّ العولمة أوجدت فرصاً سياسية وثقافية واجتماعية  يمكن للمجتمعات أن تنتهزها، وفي ظل هذه الظروف يستطيع الإسلام السياسي الشيعي أن يعرضَ أفكارَه على المجتمعات المختلفة.

قبل الولوج في الحديث عن الفرص المتاحة للإسلام السياسي الشيعي في هذه الأجواء، يجب القيام بدايةً بشرح بعض المفاهيم.

الإسلام السياسي الشيعي: الأسس والمعايير

إنّ مصطلح (الإسلام السياسي) يُطلق على التيارات التي تطالب بتكوين حكومة على أساس الشريعة الإسلامية، ويعتقد أنصار هذه الفكرة أنّ التحديات التي تواجهها الأمّة الإسلاميّة مردها إلى عدم تطبيق الأحكام الإسلامية، ولأجل تنفيذ هذه الأحكام ينبغي تأسيس حكومة إسلامية0 فهؤلاء يعتبرون الإسلامَ آيديولوجية جامعة تجيب على متطلبات البشرية في جميع المجالات0 ومن هذا المنطلق، نشير إلى المباني العامة للإسلام وهي كما يلي: الإسلام السياسي ليس مجرد معتقد فقط، بل يشمل جميع شؤون الحياة0

إنّ الإسلام السياسي يؤمن بعدم انفصال الدين عن السياسة، ويدّعي أنّ الإسلام يحتوي سياسياً على أفكار جامعة، وبما أنّه يعتمد على الوحي فهو يمتاز على الأفكار التي تعتمد على العقل البشري فقط!

فالإسلام السياسي يعتبر العودة الى الإسلام وتشكيل حكومة إسلاميّة هو الحل الوحيد لحلّ الأزمات في المجتمع.

كما يعتقد الإسلاميّون أنّ سبب تخلّف المسلمين هو نتاج الأفكار الاستعماريّة الغربيّة. ورغم ما سبق ذكره، فإنّ الجماعات الإسلاميّة لا تمتلك فكرة موحدة لتحقيق أهدافها السياسيّة والدينيّة؛ لأنّ هذه القضية تعود في كثير من الاحيان إلى تفسيرات مختلفة لمبادئ الإسلام، كما أنّ الظروف الاجتماعيّة والسياسيّة لها دور فعّال في القراءات المختلفة للإسلام السياسي.

ولهذا السبب، فإنّ الإسلام السياسي الشيعي يختلف اختلافات واضحة في الممارسة  والرأي مع الإسلام السياسي السُنّي، ويمكن تلخيص هذه الاختلافات على النحو التالي:

أ‌)      علاقة الدين بالسياسة

هناك عوامل وضرورات مختلفة تشير إلى حاجة المجتمعات إلى تشكيل حكومة، ولا تختص بالمجتمع والشريعة الإسلاميّة، فكل مجتمع، إسلاميّاً كان أم غير إسلامي، يحتاج إلى حكومة تدير أموره0 ومع ذلك ينبغي القول إنّ تشكيل الحكومة الإسلاميّة وتسليم مقاليد الأُمور إلى الحاكم الإسلامي من ضروريّات هذا المجتمع0                                    ومن هذا المنظور، فإنّ الإسلام السياسي الشيعي كالإسلام السياسي  السُنّي، يعتبر الإسلامَ ديناً جامعاً لإدارة شؤون المجتمع0 فالإمام الخميني (رض) –وهو أكبر منظّر للإسلام السياسي الشيعي- يعتقد أنّ الإسلام ينظر إلى السياسة كوسيلة لكيفية إدارة المجتمع وإرشاده نحو تحقيق العدالة وهي الغاية الأساسيّة للدين0 ولهذا، فإنّ الدين والسياسة السليمة غاية، وهما شيء واحد0 ويعتقد أنّ تنفيذ القوانين الإسلاميّة كالقصاص، والحدود، والخمس، والزكاة، وأحكام الدفاع والقضاء، يتطلب حكومة، وبما أنّ الإسلامَ دينٌ جامع ولا يختص بمكان وزمان معيّن، وباقٍ ما بقي الدهر، فإنّ ديموميّة تنفيذ الأحكام الإسلاميّة تقتضي وجود حكومة إسلاميّة.

    ب) تطبيق الشريعة

في إطار قوانين الإمامة أنّ السمة الرئيسيّة للحكومة الشيعيّة هي أنّ بناء إطارها يعتمد على نظام الإمامة، وهذا الإطار هو الذي يشكّل محور الخلاف الجوهري مع الإسلام السياسي السُنّي0 إنّ الحكومة الشيعيّة المبتنية على الإمامة تتّصل خلال فترة الغيبة بنظام ولاية الفقيه، حيث تصبح مبدأ لا يمكن إنكاره، وبدونها تفتقد الحكومة شرعيّتها، فالإسلام السياسي الشيعي يُعطي الأولويّة إلى تأسيس حكومة وتطبيق القوانين الشرعيّة0 غير أنّ الشيء الأهم هو التفسير الخاص لمحتوى الحكومة في إطار نظريّة الإمامة0 إنّ الأصول  السياسيّة والاقتصاديّة والدفاعيّة، وهيكليّتها ليست مستمدّة من الفكر الإنساني، بل مستوحاة من المبادئ الإلهيّة0 فالإمام يعتبر هذا النوع من الحكومات نموذجاً لا يتطابق مع الأنظمة التقليديّة والمتعارفة، سواءٌ أكانت استبداديّة أم مطلقة أم دستورية، فهي إضافةً إلى أنّها تحمل جميع مزايا هذه الأنظمة، فهي في نفس الوقت خالية من عيوبها. ووفقاً لما قيل، فإنّ الحكّام المسلمين ملزمون- أثناء تنفيذ الأحكام- باتّباع الأحكام المقرّرة في الكتاب والسُنّة0

     ج) الشعب والحكومة

تؤكّد رؤية الإسلام السياسي الشيعي على الدور الأساسي الذي يقوم به الناس في تعيين الحكومة، حيث يعتقد الإمام الخميني أنّ قوام الحكومة الإسلاميّة لا يتحقّق دون آراء الشعب، والأحكام الفقهيّة القابلة للتنفيذ هي التي يوافق عليها الشعب. ومن وجهة نظره أنّه لا يمكن إقامة حكومة إسلاميّة والحفاظ عليها دون دعم الشعب لها، فحضور الشعب وتواجده في الساحة مقدّمة لتحقيق الحكومة وديموميّتها.

 

     د) تفاعل الحكومة الدينيّة مع الحداثة

إنّ الحركات الإسلاميّة الشيعيّة تتعامل دائماً مع الحضارة الغربيّة والحداثة بشكل سلبي ولاتميّز بين الجوانب الإيجابيّة في مجال الفكر والتجربة من جهة والأبعاد السلطويّة والاستعماريّة من جهةٍ أخرى0 يقول الإمام الخميني (رض) في هذا المجال: نحن لانرفض الحضارة الغربيّة، إنّما نرفض مفاسدها0

 هـ) قضّية وحدة المسلمين

تضع الحركات الشيعيّة دائماً وحدة العالم الإسلامي نُصبَ أعينها، وترى الدفاع عن المسلمين كافّة، رمزاً لاقتدار العالم الإسلامي0 ومن هذا المنطلق، كان الإمام الخميني (رض) يؤكّدُ دائماً على تقوية الأواصر الأخويّة بين المسلمين ويقول: نحن مستعدون للدفاع عن المسلمين في جميع أرجاء العالم، وغايتنا وحدة كلمة المسلمين واتّحاد الأقطار الإسلاميّة، والأخوة مع جميع الفرق الإسلاميّة في العالم، وعقد المعاهدات مع الدول الإسلاميّة لمواجهة الصهيونيّة، لاسيما إسرائيل والدول الإستعماريّة0 ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية نمدُّ يدَ العون نحو جميع الشعوب الإسلاميّة0

 

 العولمة والقراءات المختلفة

لا يوجد تعريف موحّد متّفق عليه للعولمة، ويصعب تعريفها، وذلك بسبب اختلاف الرأي حول ماهيّتها، ويرجع ذلك إلى التركيز على وحدة التحليل في دراسة عمليّة عولمة (الاقتصاد-الثقافة-التقنية). يرى فريدمان ـ وهو أحد دعاة النهج الاقتصادي ـ أنّ العولمة هي تكامل الأسواق والحكومات الوطنيّة والوصول إلى الأبعد والأرخص في أرجاء العالم، وفي زمن أسرع من أي وقت مضى. أما روبرتسون، الذي يُعتبَرُ من أنصار النهج الثقافي، فيرى العولمة ضغط العالم، وتكثيف الوعي العالمي بصورة كليّة. ويدرس جيدنز ظاهرة العولمة بنفس السياق0 يسعى هذا الاسلوب إلى إظهار كيفيّة ضغط عمليّة العولمة وتوسيعها وتعميق الحيّز الزمني لشعوب العالم، وفي الأساس، يرى جيدنز العولمة ظاهرةً حديثة، ويعتقد أنّ الحداثة نفسها عالميّة بطبيعتها0 وعلى الرغم من هذه الرؤى المختلفة للعولمة، إلّا أنّها تبقى شبكة سريعة الاتّساع ومتشابكة الاتصالات، وهذا الترابط هو الذي يميّز الحياة الاجتماعيّة الحديثة0وبعبارة أخرى، إنّها عمليّة يتزايد فيها الترابط بين الحكومات والمجتمعات المختلفة في العالم. لقد غيّرت العولمة حياتنا بشكل جوهري وذلك من خلال الجمع بين التقنيات والتسامح الاجتماعي والانفتاح السياسي، وانتاج طرق حديثة لممارسة الأعمال التجارية، والتبعيّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة بين الدول، ولهذا فإنّ العولمة عمليّة لانهاية لها، وقد تعمقت وتوسعت في العقود الأخيرة، وقد تستمر، وقد تخضع هي وأشكالها المختلفة إلى تغييرات جوهريّة. وبناءً على التعاريف المذكورة أعلاه، يمكن القول إنّ المفكّرين – على اختلاف مشاربهم – قد درسوا العولمة بشكلٍ رئيسي وفي شكل مدارس فكريّة ينتمون إليها. والواقع إنّهم نظروا إليها من جوانب مختلفة، لكنّها كانت وجهة نظرهم الشخصيّة؛ فالبعض نظر إليها من البعد الاقتصادي والآخر من البعد السياسي، والبعض الآخر أعطى الأولويّة للجوانب الثقافية أو التواصلية0 وقد أدّى ذلك إلى تعّدد تعاريف العولمة وعدم وجود توافق بين العلماء في الآراء0 وعدم وجود تعريف موّحد لهذه الظاهرة ناتجٌ عن التفسيرات المختلفة للعولمة.

      أوّلاً: العولمة عمليّة طبيعيّة أو عمليّة تاريخيّة

إنّ القراءة الأولى تعتبر العولمة ظاهرة نشأت بسبب التقدم والثورة في تكنولوجيا الاتصالات، وقد أدّت إلى ظهور نوع من التشابه والتقارب بين الشعوب والدول. ويعتقد أنصار هذه القراءة أنّ تطوّر الاتصالات وسهولة الوصول إلى المعلومات هما عنصران أساسيّان لأركان العولمة، وعلى سبيل المثال، يشيرون إلى العولمة بأنّها ضغط الفضاء وتقليص الحدود والمسافات، وبعبارة أخرى بأنّها نهاية الجغرافيا وازدياد الاتصالات والعلاقات المتبادلة، حيث تجتاز الحكومات والمجتمعات وارتباط الناس من أرجاء العالم إلى مجتمع عالمي وشمولي واحد، وظهور مجتمع شبكة الاتصالات وإمكانيّة الوصول إلى معلومات أكثر فأكثر. يرى جيدنز أنّ انهيار الحدود بين الدول، وتقليص سلطة الحكومات، ومحو الهويّة  الوطنيّة والقوميّة، وظهور الهويّة العالميّة، وخروج هويّة الانتماء المكاني، والاهتمام بالفضاء، تشير إلى أنّ قراءة العولمة بهذه الطريقة شيء لابدّ منه. وعادةً ما يؤكّد جيدنز على ميزة العولمة هذه، أي عمليّتها ويشير إليها بأنّها قوة لاتقاوم. ويشير ماكجرو وديفيد هيلد في كتابهما (التغيير والتحوّل العالمي) إلى أنّ العولمة عمليّة محتمة تتضمن عمليّات أخرى وتخلق تحوّلاً أساسيّاً في الفضاء التنظيمي والعلاقات الإجتماعية وتفاعلات القوة0 وهذه التحوّلات الأساسيّة ليست مشاريع، لكنّ المتطلبات التاريخيّة أرغمتها على الظهور.

      ثانياً: العولمة مشروع أم خريطة مبرمجة

خلافاً للرأي الأول، الذي يرى أنّ العولمة عمليّة طبيعيّة لاتقاوَم؛ لأنّها ظهرت بسبب ثورة الاتصالات والمعلومات، هناك من يرى أنّ العولمة خطّة مدروسة للسيطرة على العال،0 وللإشارة إلى معناها الحقيقي استخدمت مفردة العولمة. يشكّل أنصار هذا التعريف مجموعة واسعة من مؤيدي ومعارضي العولمة: صموئيل هنتنغون و فوكوياما من بين تلك المجموعة التي تؤمن بهذا التعريف، وعلى العكس من أنتوني جيدنز الذي يساوي العولمة بالحداثة كعملية طبيعيّة، فإنّهما يعتبران العولمة بأنّها سيطرة الغرب على العالم أو أمركة العالم. كما يعتقد مفكرون من أمثال والراشتاين، و جوندر فرانك، وسواي، وبول باران، وحسن حنفي، وسمير أمين بهذه الفكرة نفسها ويرون العولمة حلقة وصل لامفرّ منها في تاريخ الرأسمالية، ولهذا فإنّ نظام السلطة، ومن أجل تجنب الإنهيار، يجب أن ينشر أزمة تراكم رأس المال وأزمة الشرعيّة في العالم حتى يصل إلى الطبقات المجهولة في العالم، ومن ثمّ يحتكرها لنفسه0 ومهما يكن من شيء، فإنّ مؤلفي المقالة يعتقدون أنّ العولمة ظاهرة معقّدة ومتعدّدة الأطراف، تجلّت في أشكال مختلفة، منها السياسيّة، والإقتصاديّة، والثقافية. ويشير هذا المفهوم إلى العمليّة التى يتم من خلالها دمج البشر بشكل ذكي في مجتمع عالمي واحد، وثمرة هذا الضغط هي اختفاء العديد من القيود السياسيّة والجغرافيّة والإجتماعيّة والثقافيّة الموجودة، أو مواجهة تغييرات واسعة.

 الإسلام السياسي الشيعي وفرص عالميّته المتاحة له

رغم اختلاف وجهات النظر بين الباحثين حول تعريف العولمة (باعتبارها إمّا تكتيكاً أومشروعاً) إلّا أنّ وجهات النظر تتفق على أنّ لها أبعاداً تكنولوجيّة وآيديولوجيّة، وقد ظهرت آثارها في الأبعاد التواصليّة، والسياسيّة، والإقتصاديّة، والثقافية حيث تشير إلى اندماج المكان والزمان والإنسان في مجتمع عالمي موحّد، بطريقة ذكيّة إلى حدٍ ما، ونتيجة ذلك الاندماج هي اضمحلال وزوال الكثير من القيود السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة، أو يحدث فيها تغيير وتحوّل واسع،  وهذه التغييرات تتيح فرصاً للمجتمعات الأخرى.

  1. فرص الأبعاد التكنولوجيّة والتواصليّة العالميّة

إنّ أبعاد عولمة التكنولوجيّة هي عبارة عن اتّساع تكنولوجيّة  التواصل الجماعي والمعلوماتي الذي تحقّقَ إثر ظهور التكنولوجيا التواصليّة والمعلوماتيّة وحاجة الدول التجاريّة للإنترنت والأقمار الصناعيّة وشبكات التواصل الإجتماعي، إذ لم يعد للحدود أهميّة، حيث أصبح الجميع مستهلكين0 إذن من الممكن للأفراد، أينما كانوا، أن يحصلوا على المعلومات بشكلٍ مباشر من أيّ نقطةٍ في العالم وأيّ شيء مرجح عند بعض الدول، ولهذا فإنّ اتّساع تكنولوجيا التواصل الجماعي على مستوى الدول والشعوب، خلق فرصةّ للإسلام السياسي بشكلٍ عام؛ لأنّها أزالت الفواصل بين الشعوب، أي أنّ ازدياد حجم المعلومات وشبكات التواصل الاجتماعي قضت على الحدود التقليديّة كالحكومات والقوميّات والحدود الجغرافيّة، و سلّمت أمورها إلى القدرة المعلوماتيّة0

ومن هذا المنظور، يمكن القول إنّ العولمة ومن خلال ازالة الحدود الجغرافيّة خلقت فرصة مناسبة لتقارب الشعوب الإسلاميّة فيما بينها بعيداً عن القوميّة والشعوبيّة0 كما أنّ التكنولوجيا الحديثة هيّأت الأرضيّة للمصاديق والقيم وعزّزت ذهن مخاطبي المجتمع الوطني نحو الوصول إلى صورة إيجابيّة عن حياة المستقبل المشترك، وخلق بيئة عقليّة جيّدة تضمن تماسك العالم الإسلامي، بطريقةٍ تؤدّي إلى زيادة الثقة والتعاون والتقليل من التحامل، وهذا يمكنه أن يخلق  شعوراً بالحاجة إلى وحدة المسلمين وتماسكهم، في الوقت الذي يكون فيه الخطاب الليبرالي الغربي هو الخطاب السائد للعولمة، وفقاً لما قاله جيدنز (العولمة من فوق). كذلك فإنّ الدولَ الإسلاميّة تحتاج إلى التنظيم في مجموعات إقتصاديّة وثقافيّة وسياسيّة، وذلك لمنع  سقوط هذه البلدان وانهيارها0

هذا ومن الممكن لتكنولوجيا الإتّصالات أن تخلق هذه الضرورة لدى الحكام والشعوب الإسلاميّة، وذلك من أجل الحفاظ على هويّتهم الثقافيّة والإجتماعية، ممّا يؤدّي إلى إقليميّة تشبه الحصن الحصين مقابل العولمة الليبراليّة، والتي يمكن لجميع الدول، بما في ذلك الدول الإسلاميّة، أن تتّجه نحوها.

 

   2-فرص البعد الثقافي في العولمة

إنّ استقطاب العولمة، وتشكيل وتوسيع ثقافة عالميّة معيّنة إنّما تأتي في ضوء الوعي الذاتي وغيره من أسباب الوعي الثقافي والحضاري. وفي هذا المجال، يعتقد جيدنز أنّ العولمة لا تعني أنّ المجتمعات العالميّة مندمجة في الثقافة الأنجلو-أمريكيّة، بل إنّ هذه الظاهرة تواجه التشتّت بدلًا من الوحدة في بعض الأبعاد، وبعبارة أخرى، فإنّ العولمة ليست عمليّة متجانسة، وسنرى نَسخَ هويّاتٍ وظهور هويّاتٍ ثقافيّة أخرى، كالثقافة الإسلاميّة0 ومن جهةٍ أخرى، تنطوي العولمة على عمليّاتٍ تخلق موجةً من التجانس الثقافي في العالم، وهذا هو المفهوم الرائج لعولمة الثقافة الغربيّة أو الإمبرياليّة الثقافيّة، ومن هذا المنظور فإنّ العولمة هي التعبير عن إرادة التركيز على تجانس الثقافة في العالم أو تغريب الثقافة العالميّة0

في هذه الزاوية الثانية، توجد ثلاثة أبعاد عامّة للولوج في العولمة:

ـ بعد انتشار الحداثة: يمكن اعتبار الجانب الأبرز للعولمة هو بعدها الثقافي، والذي هو بمثابة عولمة السمات المركزيّة للحداثة، كالصناعة، والرأسماليّة، والليبراليّة000الخ(گُلمحمدي99:1396)0                                                                                                    ـ بعد انتشار النزعة الإستهلاكيّة: في الثقافة الإستهلاكيّة والمجتمع العالمي المستهلك يتم  ترغيب الأفراد إلى الجشع للمزيد من الطلب، وأكثر ممّا يحتاجون إليه، إلى حدٍّ تصبح علامة الإستهلاك هي المصدر الرئيسي للهويّة الاجتماعيّة0

ـ بعد عولمة الثقافة الأمريكيّة: إنّ عمليّة العولمة، ومع انتشار ثقافة واحدة في العالم، تخلق نوعاً من التجانس العالمي، ولكن من جهةٍ أخرى، فإنّ الثقافة التي تغزو العالم هي النسخة الأمريكيّة، وفي هذا المجال، يرى باركر أنّ عولمة الثقافة الأمريكيّة، مع النظر إلى هيمنة الرأسماليّة، هي أمرٌ طبيعي، وتحقّقها يصبُّ في مصلحة العالم: ( يجب على الرأسماليّة الأمريكيّة أن ُتقنعَ الخاضعين تحت سيطرتها بأنّ طريقة الحياة الأمريكيّة هي ضالّتهم المنشودة التي يبحثون عنها0 وطبيعي أنّ السيطرة الأمريكيّة هي لصالح البشريّة أجمع)! (1989:279 باركر)0                                               وحسب هذه الرؤية، نستطيع أن نستنتج أنّ الثقافات القديمة والمحليّة والمستضعفة آخذة إلى الزوال، فالعولمة من هذا المنظور، ستكون على طريقة مكدونالد وهوليوود (شولت، 1386:9)0 وهذا الأمر يعني أنّ إقامة العلاقات بين الدول ستكون على أساس الهيمنة الرأسماليّة، وأمّا الدول المتأخرة والتي لاتمتلك القدرة اللازمة، ستقع فريسةً تحت سيطرة الرأسماليّة0

وعلى الرغم من السلبيّات الموجودة في العولمة، إلّا أنّه توجدُ فرصٌ ثقافيّة كثيرة قابلة للطرح، منها:

  • عودة الدين وانتشاره سببٌ لإلغاء الطابع الإقليمي

يقول هاينز، في إشارة إلى تاريخ المجتمعات الدينيّة المسيحيّة والمسلمة قبل ظهور الحكومات المركزيّة العلمانيّة: لقد عادت الأهميّة السياسيّة للدين إلى ذروتها في القرن العشرين مرّةً أخرى بعد أن فقدت رونقها منذ بداية القرن السابع عشر، وذلك بفضل عمليّة العولمة؛ لأنّ العولمة هيّأت الظروف التي تستطيع فيها الدول أن تبثّ رسالتَها الحضاريّة والثقافيّة إلى العالم0 وفي ظلّ هذه الظروف المتاحة التي أوجدتها العولمة، تهيّأت الأرضيّة المناسبة  للدين الإسلامي، الذي عادةً ما يهتمّ بشكلٍ تامّ بالقضايا المستحدثة والمعاصرة، وبما أنّ الطبيعة الإلهيّة للإنسان تستجيب للوعود والبشارات الربانيّة، فهي لا تنحصر في مكانٍ أو زمانٍ معيّن، وإنّما ما تخاطبُه الأديان السماويّة، لاسيّما الإسلام، هو جوهر البشر؛ ولذا يمكن اعتباره بديلاً مناسباً لحلّ الأزمات الحاليّة في العالم ليعرضَ نظاماً متكاملاً يلبّي جميع متطلّبات البشر0                                   وفي هذا الصدد، يعتقد هاينز أنّ الإسلام، كنظامٍ ديني اجتماعي وثقافي، سعى إلى أن يتحوّل إلى دينٍ عالمي، وذلك من خلال انشاء مجتمع اُممي يتجاوز القوميّة (هاينز387:1381-388)0

ب) توفير فرص المقاومة والتصدّي

يتضمّن ميدان العولمة خطابين هما: العولمة من الأعلى والعولمة من الأسفل0             تسعى الأولى، من خلال العولمة، إلى توسيع قيم الحداثة كالعلمانيّة، والثقافة الإستهلاكيّة والإقتصاديّة، وخلق نوعٍ من الثقافة التطابقيّة0

وفي المقابل، ظهرت العولمة من الأسفل، أو ما يسمّيها جيدنز  بـ(العولمة المعاكسة)، قبال آيديولوجيّة النظام الرأسمالي الغربي، والأسلوب الحاكم على العالم المعاصر، وسيطرة الشركات الإقتصاديّة المتعدّدة الجنسيّات0 وقد ظهر هذا النوع من الحركات لمواجهة نظام السلطة العالمي، والبحث عن تحقيق عدالة شاملة في العالم0

ومن هذا المنظور، أتاحت العولمة الفرصة لعرض الأفكار المعارضة للطريقة الإستعلائيّة في العولمة، والاستماع  إلى الرأي الآخر، وهكذا، وفي ظلّ التكنولوجيا الخبريّة المتطوّرة أصبح إيصال الفكرة والخطاب إلى المجتمعات البشريّة أمراً ممكناً، بعد أن كان مستصعباّ قبل ذلك0 ومن هذه الناحية، فإنّ الفرصة قد أصبحت سانحة للثقافة الإسلاميّة والشيعيّة لتدلو بدلوها في مجالات الأفكار الفلسفيّة، والسياسيّة، والاقتصاديّة، وتعريف علم الاجتماع الشيعي، وذلك من خلال العلماء والمفكّرين. ونظراً إلى القيم الشموليّة التي يمتلكها الدين الإسلامي من جهة، والمتطلّبات العصريّة من جهةٍ أخرى، فمن الممكن أن تخلق هذه الظروف فرصاً جديدة للتعرّف على رؤية الإسلام الشيعي.

  1. فرص البعد السياسي في العولمة

إنّ تسارع عولمة السياسة أبطأ من الأبعاد الأخرى للعولمة، ويعود السبب إلى أنّ الحكومات تعتبر سيادة إدارة البلاد لنفسها فقط0 وهذا هو السبب الذي أوجد موانع وعوائق أمام عولمة السياسة، ولكن مع ذلك، فإنّ العديد من القضايا التي كانت تُعتبر أمراً سياديّاً داخليّاً للحكومات، أخذت الآن أبعاداً عالمية0

وفي ضوء تطوّر وسائل الإعلام والاتّصالات الإلكترونيّة والحصول على أنماط ونماذج جديدة، تغيّرت القدرة في  تفسير مسار الأحداث وقراءتها المستقبليّة وتنبّؤاتها. وبشكلٍ عام، فإنّ الجانب السياسي للعولمة هو الحدّ من دور الحكومات والشعوب وزيادة دور المؤسّسات والمنظّمات عبر الوطنية0

إنّ الحكومات الوطنيّة تفقد سلطتها وسيطرتها في السياسة العالميّة بشكلٍ تدريجي، كما أنّ إشرافها على القوى الداخليّة يتضاءل شيئاً شيئا0                                                       ويعود سبب عولمة السياسة إلى الحكومات نفسها، لأنّها ومن خلال انضمامها الطوعي إلى الشبكات والمنظمات عبر الوطنية(العالميّة)، بدأت بإضعاف نفسها وتقوية سيطرة الدول المركزيّة عليها0

بناء على ما ذكرناه، نستنتج ما يلي:

  • اضمحلال السيادة الوطنيّة: إنّ الشيء المهم هو أنّ السيادة الوطنيّة، التي كانت تشكّل نموذج الشعب والحكومة، قد فقدت مصداقيّتها، وذلك بسبب ظاهرة العولمة، حيث تمّ تشكيل معنىً جديد للسيادة يختلف عن معناه السابق، ولم يعد اعتبار ما يحدث في أوروبا والولايات المتّحدة أو اليابان منفصلاً عن المشاكل الاقتصاديّة للدول الأخرى، ولم يعد الهجوم على البرجين التوأمين في نيويورك قضيّةً داخليّة تتعلّق بأمريكا فقط، أو أزمات العراق وفلسطين وأفغانستان خاصّةً بمناطق معيّنة، ولا يمكن اعتبار السياسات البيئيّة الأمريكيّة منفصلةً عن هذا العالم0 وبهذا المعنى، تآكلت السيادة الوطنيّة وظهرت المصالح المشتركة التي تتجاوز الأبعاد الوطنيّة، وهذا ما تتابعه المسؤوليّة العالميّة التي تلزم السيادة الوطنيّة الإلتزام بسياسات وبرامج  محدّدة وعالميّة.
  • تغيير المواقف تجاه السلطة: يرى آلوين توفلر أنّ أعظم تغيير حدث في القرن الحادي والعشرين هو ظهور سلطات تتجاوز الدول الوطنيّة والحكومات المحليّة (توفلر، 1394: 657). إنّ موقف العولمة قد تغيّر إزاء السلطة بطريقة مختلفة عن الموقف التقليدي من الأعلى إلى الأسفل، حيث فقدت القوّة الصلبة، إلى حدٍّ كبير، سيطرتها ووظيفتها وشرعيّتها كعاملٍ في التحكّم. وجديرٌ بالذكر أنّ العديد من اللاعبين على المسرح العالمي لايمتلكون أدوات العنف، لكنّهم أصبحوا أكثر تأثيراً في الساحة، وكذا يمكن اعتبار الحركات الاجتماعيّة عبر الوطنيّة عاملاً قويّاً في المجتمع الدولي، حيث يمكنهم الضغط  على الحكومات والمؤسّسات السياسيّة كالشركات متعدّدة الجنسيّات. وفي مجال الفرص السياسيّة للعولمة، يمكن القول إنّ فكرة الحكومة العالميّة في الثقافة السياسيّة الإسلاميّة كانت تُطرح دائماً، وحسب النصوص الدينيّة فإنّ حدوثها سيكون حتميّاً لا مفرّ منه،  إذ إنّ الإسلام  أممي لا يهتم بالحدود، وإنمّا يتمحور حول الأمّة، وهو عالميٌّ في ذاته0 ولذا يعتقد المسلمون أنّ الإسلامَ دينٌ اُممي ورسالته عالميّة0 وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى آيات من القرآن الكريم (الآيات5 و6 من سورة القصص و52 من سورة المؤمنين) والتي يتم من خلالها التبشير بعالميّة الإسلام وتأسيس مجتمع عالمي0

وبناءً على آراء الإسلام السياسي الشيعي، فإنّ التعاليم الإسلاميّة تحمل في طيّاتها الميول العقلانيّة والفطريّة للإنسان، من أجل إدارة العالم وتحقيق العدالة فيه، وتلبية الرغبات الروحيّة والماديّة للبشر، وإعطاء الإنسان هويّةً مستقلّة، والحفاظ على كرامته والثورة على الديكتاتوريّ،0 وهذا يتناغم مع الفطرة البشريّة. ومع الأخذ بعين الاعتبار لهذا الرصيد القيّم من الحضارة والثقافة والقيم الدينيّة التي يمتلكها الخطاب الإسلامي الشيعي، يمكن استخدام قوّته الناعمة في هذه المحاور الأربعة: أ- الروحانيّة، ب- تعزيز ثقافة العدالة، ج- ترسيخ الديمقراطيّة الدينيّة،  د- تقوية الثقة بالنفس وتوعية الشعوب المضطهدة0

وبناءً على ما ذكرناه، فإنّ خطاب الإسلام الشيعي ينتقل من الهامش ليصبح مركز ومحور التطورات في العالم الإسلامي0 لقد كان الشيعة يعيشون أقليّةً مهمّشين لعدة قرون، وكانوا هدفاً لأنواع الهجمات، حتّى أنّهم كانوا يخشون التعبير عن آرائهم. ولكنّهم، مع انتصار الإسلام السياسي الشيعي، استطاعوا أن يعرّفوا الثقافة الشيعيّة كمحور مُلهِم  للجهاد والمقاومة إزاء ثقافة القوّة والقدرة، وقد أصبح هذا الخطاب ظاهرةً ملهِمة في الثقافة والسياسة عبر أجواء العولمة0

وختاماً، ورغم الفرص العديدة المتاحة للثقافات والمجتمعات المختلفة، فمن المؤكّد أنّه، إلى جانب هذه الفرص، هنالك تحدّيات تواجه هذه الثقافات والمجتمعات، وقد أشار الكُتّاب في مقالةٍ أخرى إلى التحدّيات التي تواجه الإسلام السياسي الشيع،0 ونحن هنا يمكننا الإشارة إليها باختصار: فقبل كلّ شيء، يجب الإشارة إلى أنّ العولمة تعكس عولمة القيم الثقافيّة والسياسيّة ونموذج الإقتصاد الغربي، كما أنّ هذا الأمر يطرح أيضاً الهويّة والتحدّيات السياسيّة للمجتمعات الأخرى0

وفي ظلّ هذه الظروف ونظراً لتعارض المسار الإسلامي الشيعي مع الأصول الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافية الليبراليّة، فإنّ الإسلام السياسي الشيعي يمرّ بظروف صعبة، وذلك لأنّه يصرّ ويؤكّد على مؤشّراته ومعاييره الخاصّة0

وهذا يعني أنه في مجال الاقتصاد، وعلى عكس العولمة، يسعى خطاب الإسلام السياسي الشيعي إلى إقامة علاقاتٍ اقتصاديّة فعّالة، مع إيجاد عدالة إجتماعيّة، ومن أجل تحقيق هذه الغاية، فقد حدّد الإسلام دائرة الملكيّة المطلقة ورسم لها علامات، لتضع حدّاً للفقر وتؤمّن معيشة الفقراء0                                                                                                                 ومع ذلك، فإنّ النيوليبراليّة الإقتصاديّة للعولمة تقوم على فكرةٍ فحواها أنّ قوى السوق تؤدّي إلى الرخاء والحريّة والديمقراطيّة والسلام العالمي0 غير أنّ الإسلام السياسي الشيعي يدّعي أنّ القيود التي تُفرَضُ على الحريّة، هي لصالح الحريّة الاجتماعيّة والمساوات، ومن خلالها تحاول أن تخلق فرصاً اقتصاديّة متساوية للمواطنين0 وفيما يتعلّق بالبعد السياسي، يمكن القول أيضاً إنّ السياسة هي محور الصراع بين العولمة والإسلام السياسي الشيعي، وذلك أنّ وجهة النظر العلمانيّة للسياسة تتعارض مع المسار الديني0

ولذا فإنّ العولمة تحاول أن تزكّي المؤسّسةَ العلمانيّة وتصوّرها بشكلٍ مقبول لدى المجتمع البشري، وتهمّش ما يُعبّر عنه بالسياسة الدينيّة في الخطاب السياسي الشيعي0

إنّ العولمة تفصل بين القضايا الدينيّة والقضايا السياسيّة، وتزعم أنّ السياسة مسألة لا تتعلّق بالدين ولا تتقبّلها الأعراف والأوساط الاجتماعية0

وأما من منظار الإسلام السياسي الشيعي، فإنّ الإسلام هو في الأساس دين السياسة، وقطع علاقته بها يعني تجزئة العقيدة الإسلاميّة بعضها عن بعض0

وفي مجال التحدّيات الثقافيّة، يمكن القول إنّ  تحدّي العولمة للإسلام السياسي الشيعي هو في المجال الثقافي، ويرجع ذلك إلى الدور الأساسي للثقافة0 ومن جهةٍ أخرى، فإنّ كثيراً ممّا يتعلّق بالهياكل الاجتماعيّة المختلفة هو جزءٌ من الثقافة التي تتكوّن من نظام القيم والمعايير والمعتقدات الدينيّة للمجتمع، ويتعارض مع حذف الهويّة في عمليّة العولمة ومحو معتقدات المجتمع.

ومن هذا المنطلق، فإنّ عولمةَ الثقافة تتعارضُ بشكلٍ أساسي مع الثقافة السياسيّة الشيعيّة، كما أنّ التعاليم الاجتماعية والثقافيّة والأخلاقيّة الليبراليّة التي تصبّ في خانة العولمة، والتي تُقدَّم كتعاليم أساسيّة و شاملة، هي أيضاً تتعارض بشكلٍ حاد مع المبادئ والقيم الإسلاميّة0 ولذا، يجب وضع نموذج للتعامل الفردي والاجتماعي على أساس القيم والأبعاد السياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة الإسلاميّة، كما يجب تطويرها حسب المعتقدات الدينيّة، وذلك                      لأنّ العولمة تحاولُ  بكلّ قواها أن تفرض نمطاً من السلوك المادّي على المجتمعات الأخرى0

 

 

 

الملخّص

لقد أُشير في هذه المقالة إلى أنّ للعولمة آثاراً مختلفة، منها اقتصادّية، وسياسيّة، وثقافيّة، وتواصليّة، وقد أَوجدت هذه الحالة فرصاً للمجتمعات المختلفة0 وفي ظلّ هذه الأجواء سنحت الفرصة للإسلام السياسي الشيعي ليُدلي بدلوه0 وباختصار، فإنّ نتائج هذه الدراسة جاءت على أربعة مراحل0

وفيما يتعلّق بتكنولوجيا الاتّصالات الحديثة، يمكن القول بأنّها تستطيع أن تقود عقليّة الأمّة الإسلاميّة خارج المجتمع الوطني والجغرافيا، وبناء صورة إيجابيّة عن الحياة والمستقبل والمصير المشترك، وتهيئة ظروف عقليّة ملائمة تُمهّد الأرضيّة لثبات العالم الإسلامي وتماسكه.

وفيما يتعلّق بالبعد الاقتصادي للعولمة، ذكرنا أنّه على الرغم من أنّ العولمة يمكن أن توفّر فرصاً اقتصاديّة للمجتمعات المختلفة، إلّا أنّها في تعارضٍ وصراع مع الاقتصاد الإسلامي، وذلك لإنّ الأمور الاقتصاديّة ترتبط بشكلٍ جذري بالمفاهيم الأساسيّة، والرؤية الكونيّة، والآيديولوجيّة الإسلاميّة، بينما تقوم اُطرُ الاقتصاد العالمي على الليبراليّة0

وفي البعد الثقافي، ذُكرَ أنّ العولمة فرصة مناسبة لعرض أفكارٍ مختلفة لم تُتح لها الفرصة للعرض إلّا بعد ظهور تكنولوجيا المعلومات. ومن هذا المنطلق، فإن الثقافة الإسلامية وبمحتواها الغني، لديها الفرصة للظهور، فعولمة التفاعل بين الزمان والمكان ونقل الأفكار، يوفّران الأرضيّة المناسبة لعرض الثقافة الإسلاميّة إلى المجتمعات البشريّة0

وأمّا في البعد السياسي للعولمة، فقد ذكرنا أنّ الإسلام السياسي الشيعي يستطيع، ومن خلال مصادر قوّته الناعمة ومكوّناته الثقافيّة وقيمه الدينيّة السامية، أن يجعل أفكاره عالميّة0

إذن ومن خلال العولمة، يمكن عرض الأفكار السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة الإسلاميّة، ونظراً إلى ثراء الإسلام الشيعي وقدرته على الإجابة عن متطلّبات الحياة العصريّة ومشاكلها، نستطيع أن نعتبر هذه الظروف المستحدثة فرصةً ثمينة لتعريف الإسلام الشيعي0

وفيما يتعلّق بالأبعاد السياسيّة للعولمة، أُشير إلى أنّ الإسلام السياسي الشيعي قادرٌ على الانتقال من الهامش ليصبح مركز إشعاعٍ  لتطوّرات العالم الإسلامي.                           كما يجب إدخال الثقافة الشيعيّة كعنصر مقاومة وجهاد للتصدّي لثقافة القوّة والسلطويّة الموجودة في أجواء العولمة، لتحلّ محلّها لغة التخاطب والتفاهم.

                                          شبكة الهدف للدراسات/ قم المقدسة

اترك تعليق

قم باضافة تعليق
الرجاء ادخال اسمك هنا