طه كرمي/ داود آقایي
ترجمة: رائد علي البصري
المقدمة:
شهدنا بعد أحداث 11 سبتمبر الضعف الذي عانته الولايات المتحدة في سياق مكافحة الإرهاب من قبل بوش وفي القضاء على الجماعات الإرهابية.
وقد أدّت الحملات العسكرية الأميركية في دول غرب آسيا وشمال أفريقيا إلى اتساع تلك الجماعات وتمددها، بل وشهدنا ظهور جماعات ارهابية جديدة من بينها جماعة داعش الإرهابية.
لكن هذا النهج قد تغير عند مجيء أوباما ، إذ لم يعتمد استراتيجية بوش نفسها في التدخل والصراع المباشر وشاهدنا تحولاً جديداً في الأسلوب.
إن طرح الاستراتيجية في التوجه إلى الشرق من أميركا في عهد اوباما وخروج الكثير من قواتها البرية من غرب آسيا وشمال أفريقيا، رفع من زيادة الظنون بخصوص استراتيجية أمريكا الجديدة ونهجها في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا. وهذا الموضوع أصبح أكثر أهميّة بعد ظهور داعش واتساع قدرته؛ لأن نهج الولايات المتحدة قبال داعش، لم يكن كما شهدناه أبان عهد بوش الأبن في مواجهة القاعدة.
ومقارنة بذلك، يعد غياب القوات البرية الأميركية في الحرب ضد داعش شاهداً على هذا التغيير في الاستراتيجية.
وهذا ما دفعنا إلى تدوين هذه المقالة سعيا وراء الإجابة على هذه الهواجس، ولذلك فالسؤال الرئيسي المطروح هو : ما هي السياسات والاستراتيجيات الاميركية الجديدة في غرب آسيا وشمال أفريقيا نظراً إلى إمكانية بقاء واستمرار الجماعات الإرهابية أمثال داعش في مختلف دول غرب آسيا وشمال إفريقيا، وبعناوينها المختلفة؟
وفي جواب هذا السؤال يعتقد الكاتب أنه من الممكن توضيح الاستراتيجية الأميركية الجديدة في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، من خلال نظرية توازن قوى ما وراء السواحل والاستعانة بالحلفاء الإقليميين ،وحفظ التوازن والقيادة من خلف الستار.
اذن الجواب اجمالاً على سؤال المقالة هو أن أميركا تهدف إلى الاستفادة من توازن قوى ما وراء البحر، وتجعل عامل الموازنة عن بعد في الأولوية.
ومن أجل الإحاطة بزوايا الموضوع بصورة جيدة، نظمت هذه المقالة في ثلاثة عناوين:
الأول ويتم فيه شرح نظرية توازن قوى ما وراء البحار والثاني نتطرق فيه إلى مصالح الولايات المتحدة واستراتيجيتها العامة المتبعة في غرب آسيا وشمال أفريقيا، حيث سلط عليه ضوء التحليل بشكل دقيق، وفي النهاية نسلط الضوء على استراتيجية أميركا في الحرب ضد داعش مع ذكر بعض النماذج عليها.
نظرية توازن قوى ماوراء البحار
إن هذه النظرية التي لها جذور في المنهج الواقعي، طرحت من قبل المنظرين الأميركان كرد فعل للمتغيرات الحاصلة على النطاق الدولي، وخصوصاً بعدما برز في العالم عدة أقطاب.
وبناء على هذه النظرية ستصبح أكثر المصالح الحيوية الأميركية محمية من الهيمنة في أوروبا وشرق آسيا، أو ما يصطلح عليه بـ(الهيمنة الأورآسية) وكذلك الهيمنة النفطية في غرب آسيا وشمال افريقيا. إذ إن وجود الهيمنة الأورآسية قد يشكل خطراً وجوديا بالنسبة لأميركا، كما قد تؤثر الهیمنة النفطیة فی غرب آسیا وشمال أفریقیا في عملیة انتقال النفط وفي الاقتصاد الاميریکي وفي جميع القوى الصناعیة والمتطورة المرتبطة بالنفط.
وطبقاً لهذه النظریة یتوجب على أميرکا أن تخرج قواتها البرية من أوراسیا ولا تعيدها إلى هناك إلا حينما ينهار توازن القوى فی المنطقة.( Layne,2009:7-8)
ويرى هذا الطيف من المحللين أنه علاوة على تكوّن توازن تقليدي أو عسكري ستشهد اميركا نشوء توازن ناعم ضدها، بمعنى أن سائر الدول ستحاول الحد من قوة امريكا بالطرق الدبلوماسية و المنظمات الدولية، مضافاً إلى هذا التوازن فإن هناك بعض الأعمال غير المتعادلة ايضاً والتي منها الإرهاب والأعمال الإرهابية والتي يمكن أن تصدر من قبل الجماعات الإرهابية مثل: داعش والقاعدة.
وهنا يمكن القول أن توازن قوى ما وراء البحر هي في الحقيقة وسيلة لانتقال النفقات والتحديات إلى دول أخرى أو بتعبير آخر إبطال المخاطر التي تهدد أميركا بأقل التكاليف، وهذه الاستراتيجية هي في الحقيقة عملية نقل الضغط والآلام إلى الآخرين لا تقسيمها( 2012 Layne) ، فإن امريكا بدلاً من أن تتخلى عن منهجها التسلطي نراها تزيد من قدراتها الداخلية وتقوي المتحالفين اقليمياً وتقلل من التزاماتها في هذه المناطق.
وطبقاً لهذه النظرية فإن أميركا تسعى دائماً أن تحفظ الافضلية لنظامها السياسي والاقتصادي(2006:31 Layne) .
ولو نظرنا إلى النظرية بشكلها العام لوجدناها تستند على المبادئ والافتراضات أدناه:
– استراتيجيات توازن القوى أفضل من الهيمنة.
– بالنسبة لقوة عظمى مثل الولايات المتحدة ، فإن الارتباط والتبعية هو وهم ، وليس حقيقة.
– في السنين القادمة ستنخفض التزامات أميركا العسكرية.
– الجغرافيا مؤثرة في الاستراتيجية العامة.
– دينامية الاتحاد تؤكد على استراتيجية توازن قوى ما وراء البحار.
– القدرة النسبية ستبقى على ما هي عليه من الأهمية.
– بالنتيجة ستنخفض المخاوف من تواجد هيمنة أوراسية كمنافس.
توازن قوى ما وراء البحر والاستراتيجية الأميركية في غرب آسيا وشمال إفريقيا:
قبل أن تحدد استراتيجيتها العامة شرعت الولايات المتحدة بتصنيف المناطق وكذلك مواردها الخاصة، قبل أن نرد في البحث وطبقاً لوثيقة استراتيجية الأمن القومي لأمريكا في عام 2015م، وفي نظرة واسعة يمكن فهم سير المصالح الأمريكية بالصورة التالية:
الأمن |
النمو والإزدهار الإقتصادي |
القيم |
ا
الحفاظ على شكل النظام العالمي الحالي |
المخطط البياني1: مصالح أميركا
كخطوة أولى من أجل تحديد استراتيجيتها العامة، تحدد الولايات المتحدة مصالحها في المنطقة.
مظاهر لمصالح الولايات المتحدة في غرب آسيا وشمال أفريقيا عبارة عن:
ـ الحفاظ على أمن الشعب الأميركي .
ـ ترويج نمط الحياة الديمقراطية
ـ توسعة السوق الحرة
ـ إرساء نظام قانون المحور العالمي ؛
ـ توسعة وتعزيز الاتحادات والائتلافات( president of the united states, 2017:49)
ـ أمن الأراضي الأميركية.
ـ أمن حلفاء أميركا.
لذا فكل حالة لا تتماشى مع هذه الأمور المذكورة آنفاً تعدّ خطراً وتهديداً لمصالح أميركا الوطنية، كما يمكن اعتبار غرب آسيا وشمال إفريقيا من أكثر المناطق اضطراباً، فالقاعدة ومن ثم داعش يمكن أن تعتبرا خطرا بسبب تهديدهما لواحدة أو أكثر من المصالح الأميركية؛ لذا فإن داعش من شأنه أن يشكل خطراً حقيقياً على أميركا، وذلك لأنه ليس لكونه يهدد أمن الشعب الأميركي فحسب، بل لكونه يخالف الديمقراطية وجميع أسس الحياة الغربية أيضاً، كما أن داعش من خلال تهديده لحلفاء أمريكا – كالأعمال الإرهابية في باريس في13نوفمبر تشرين الثاني عام 2016 أو سائر العمليات المتعددة في اوروبا- لم تعبأ بالنظم العالمية الحاكمة والمصممة من قبل الغرب.
مصالح أميركا الحيوية والبالغة الأهمية في غرب آسيا وشمال إفريقيا هي:
-الحفاظ على استقرار ومكانة اسرائيل على أنها دولة مستقلة وجعلها آمنة من المخاطر المحدقة بها .
-النجاح في إقرار عملية السلام في الشرق الأوسط.
-إزالة العقبات والقيود في انتقال الطاقة، وخاصة النفط من المنطقة إلى العالم .
-القضاء على الأعمال العدائية في المنطقة ، بأي صورة ممكنة ، وإزالة تحدياتها.
– “التصدي” ـ في هذا السياق ـ لأي قوة إقليمية معادية تظهر في المنطقة.
-عدم حصول دول المنطقة على الطاقة النووية.
-تعزيز الشراكات والحلفاء الإقليميين.
– إقامة علاقات قوية مع الدول العربية بهدف السيطرة على الإرهاب وإرساء أمن الطاقة ( يزدان فام، 1387: 125) وهذا الأمر ممكن ملاحظته أيضا ًفي سياسة كارتر.
– والفقرة الأخيرة الحفاظ على استقرار المنطقة التي تكون محط نظرهم ليتمكنوا من تأمين جميع المصالح المتقدمة الذكر، فالحفاظ على الاستقرار هو شيء يسهل على الولايات المتحدة الوصول إلى مصالحها( Barnes Bowen,2015:23)
وبهذه الأوصاف يمكن بيان الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في غرب آسيا وشمال إفريقيا بالشكل الآتي:
-طمأنينة الدول التي هي تحت الحماية الأميركية قبال هجمات الأعداء.
– صرف الأعداء من السعي للحصول على قدرات وقابليات مهددة.
– القدرة على منع هجمات الأعداء.
– هزيمة الأعداء عند الضرورة
– مماشاة الدول أو الحاقها وربطها بها.
– الحفاظ على النظم من قبل القدرة المتدخلة.
أميركا ومن أجل تحقيق أهدافها تحتاج إلى استراتيجية تأخذ في نظر الاعتبار كلّ تلك النقاط وتتمكن من الإجابة عنها، ويعتقد الكاتب أن هذه الاستراتيجية هي التي تسمى(توازن قوى ما وراء البحر)، ووفقاً لهذه الاستراتيجية ستكون السياسة الأميركية في غرب آسيا وشمال أفريقيا كالآتي:
المنع من توفّر الهيمنة النفطية:
الواقعيون هم الداعمون للتواجد العسكري الأميركي في منطقة الخليج من أجل حفظ مصالحهم بما فيها الحصول على النفط بسهولة. وبشكل عام تواجه المصالح النفطية الأميركية خطران جديان ترى السياسة الأميركية وجوب مواجهتها عسكرياً وهما:
- هيمنة وتسلط قوة ما على منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا ، ويتبعه السيطرة على معظم مصادر الاحتياطي النفطي في العالم.
على سبيل المثال التخوف من سيطرة العراق على مصادر نفط الكويت والسعودية دفع بأميركا إلى ارسال قوات خاصة لتحرير الكويت، لحفظ توازن المنطقة، وأدى ذلك إلى اندلاع حرب الخليج عام 1991م.
وكذلك في عام 1979م في عهد رئاسة كارتر وخوفا من سيطرة ايران وروسيا على المنطقة قررت أميركا إيجاد قوات تدخل سريع للحيلولة دون تحقق ذلك.
وبناء لهذه الاستراتيجية لا يحق لأي دولة مخالفة أن تسيطر على المنطقة المؤثرة في استقرار السوق العالمية للطاقة.
وبهذه الاستراتيجية استطاعت امريكا أن تحول دون ظهور هيمنة إقليمية، وإن تحفظ توازن القوى لصالح أمنها.
إن ظهور أي هيمنة نفطية في منطقة الخليج سيؤول الى ارتفاع اسعار النفط واستخدام النفط كعامل ضغط سياسي على الدول الصناعية والمستهلكة للنفط، ونظراً إلى تفوق القوة العسكرية الأميركية على الدول الكبرى في المنطقة، يتوجب على أميركا ايجاد ردع وأن تظهر رد فعلٍ عسكري، وتمنع من محاولة أي هيمنة في المنطقة من قبل هذه الدول، وبالطبع فإن هذه الممانعة ليست بالضرورة أن تكون بالاستفادة من القوة البرية.
الاضطرابات وعدم الاستقرار في الدول المنتجة للنفط:
من المخاطر التي تحسب لها الادارة الأميركية ألف حساب حصول الاضطرابات وعدم الاستقرار في البلدان المنتجة للنفط. علاوة على احتمال تعرض حركة نقل النفط إلى الخطر الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وهذا الأمر يتعارض بشكل كامل مع المصالح الأميركية؛ لذا جعلت من أولياتها يتوجب الحيلولة دون ذلك.
لكن خفض الإنتاج وزيادة الأسعار سيكون حالة وقتية وسائر المنتجين سيعوضون النقص الحاصل من خلال زيادة إنتاجهم، وبالطبع إن السعودية مستثناة من هذا الأمر لكونها تمتلك اكبر احتياطي نفط في المنطقة كما وتعتبر أكبر منتج للنفط، وعليه مجيء نظام مخالف لأميركا في المنطقة سيوجه ضربات اقتصادية موجعة لها.
ولذا فالاستراتيجية الأميركية ترى أن أفضل آلية ينبغي اتباعها في مواجهة بروز هكذا قوة هو بخفض حجم تواجد تلك القوة وتضعيف دورها في المنطقة، وضمان بقاء مضيق هرمز مفتوحا، وتقليل ارتباط امريكا بنفط المنطقة، وفي النهاية تواجد القوة البحرية الأميركية في الخليج وإيجاد قدرة ردعية نووية، علاوة على ذلك فإن أي اضطراب سياسي في هذه الدول سيؤدي إلى ملأ الفراغ الحاصل في دورها في المنطقة من قبل الحكومات المخالفة لأميركا وهذا يعد تهديداً أيضاً(president of the united states2017:49) ).
تغيير استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة وأسلوب حربها:
الأمر الذي نلمسه بوضوح في استراتيجية أميركا الأمنية وفي خطابات المسؤولين الأميركان بشكل عام هو التعددية وإقامة ائتلافات دولية، واستعاضتها عن الأحادية التي كانت على عهد بوش الابن.
إن تنسيق أمريكا مع حلفائها وتأكيدها على إحباط ومنع أي محاولة لتوسيع التكنلوجيا النووية والبيولوجية والكيمياوية، ومواجهة داعش جاءت ضمن هذا الإطار.
في هذا الصدد تسعى أميركا إلى تقوية حلفائها لتتمكن من إيجاد قوات تحت قيادة أميركا تتمكن من مواجهة التهديدات المحتملة ورفع هذه المسؤولية عن كاهل الولايات المتحدة( cohen,2000:9) وفقاً لهذه الاستراتيجية فإن اميركا أصبحت أمام نوعين من الحرب الاختيارية والضرورية ويجب عليها أن تخوض الحرب التي تفرض عليها فقط( جمشيدي، 1395:32)
وبشكل عام فإن مضافا إلى هذه الاستراتيجية التي يطلق عليها التعددية، وعناوين أخرى من قبيل القيادة من الخطوط الخلفية، تعمل أميركا في هذا المجال في الوقت ذاته على تقليل نفقاتها العسكرية ملقية على عاتق الآخرين مسؤولية توفير الأمن العالمي.
ويدرج ضمن هذا طلبها من الآخرين تطبيق الدبلوماسية المتعددة الجوانب ومنهج(الدبلوماسية والإنتظار).
لقد قال بين رودس الذي كان مستشاراً للأمن القومي الأميركي: إن سياسة خفض الوجود الأميركي تتضمن خسائر بشرية ومادية أقل بشكل لا يتصور، وهذا بحد ذاته دليل على نجاح هذه السياسة. Martel,2015:329))
وفي الواقع إن ترامب هو أيضاً بصدد خفض التزاماته العسكرية، وهذه احدى خصوصيات ومميزات الاستراتيجية الأميركية الجديدة، والتي نشأت من أنانية وبراغماتية ترامب وفق رؤية ذات محورية اقتصادية. كما أن الأعمال العسكرية الأميركية ستصبح محدودة آنذاك .
فما فتأت أميركا في سعيها لكسب حلفاء إقليميين علاوة على حلفائها الدوليين بل وحتى اوسع من ذلك، حيث سعت إلى خلق وكلاء لها في مختلف أرجاء العالم، فعلى سبيل المثال إسرائيل كان من المقرر لها أن تلعب هذا الدور، وإن كانت لا تملك القدرة على القيام به؛ لأنها لا تتمتع بتأييد كامل من قبل العرب؛ لذا يعتبر حل مشكلة العرب واسرائيل من اولويات حكومات أميركا بما فيها حكومة ترامب.
كوهين وبعد ذكره لمصالح أميركا في المنطقة أشار إلى أهمية هذا الموضوع بأن أميركا تريد السلام لغرب آسيا وشمال أفريقيا؛ لأن هذه المنطقة تحتوي على منابع طبيعية استراتيجية وبكلفة أقل وتوفير مواضع لتسويقها باعتبار أنها تعتمد على السوق الحرة.
لكن هذا الاستقرار والسلم لا يتحقق إلا عن طريق حل مشكلة العرب واسرائيل وعدم معارضة ليبيا وإيران والعراق للمعايير الأمريكية الدولية ( cohen,2000:11)، والسعودية كذلك ليست لها هكذا قدرة، وإيران من بعد الثورة الإسلامية ليس لها أي رغبة بهذا الموضوع وقد عملت بخلافه( Pollack,2015:7).
وقد اثبتت تجربة 11سبتامبر لأميركا أن الأحادية في غرب آسيا وشمال افريقيا ليس أنها ذات تكاليف باهظة وحسب بل هي استراتيجية غير كفوءة، وذلك لوجود عدّة مسائل منها انهيار النظم في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا.
وبناء على هذا فإن الاستراتيجية العامّة لأميركا من بعد بوش تتضح من خلال البرامج والآليات المذكورة أدناه:
– عن طريق قوات المهام الخاصة.
– معدات الطيران دون طيار أو الطائرات المسيرة.
– خروج القوات البرية من غرب آسيا وشمال إفريقيا.
– تعددية الأطراف واستراتيجية تقليل التواجد.
وبالطبع يرافق هذه الاستراتيجيات الأمور أدناه:
-الدبلوماسية.
-الحصار.
– العزلة.
-الحقوق الدولية.
-المساعدات التنموية( (Obama,2014
-تطوير القوات المسلحة الأميركية وتجهيزها وتعزيز قوتها إذ الهدف الأساس من وراء ذلك هو خفض القوات البرية.
– خفض عدد القواعد العسكرية على مستوى العالم، مع حذف المعدات والتجهيزات والطائرات احادية المهمة وإبدالها بالطائرات المسيرة، من قبيل غلوبال هوك، في النهاية الاهتمام بحرب السفن الصغيرة.
ما يحدث في المنطقة من تطورات لا يشكل خطراً جدياً لأميركا بما في ذلك ظهور داعش؛ لهذا لم يكن “إرسال قوات برية “في جدول الأعمال بأي نحو من الأنحاء.
بناء على هذا فكل ما يقترح على أنه طريق حل ينظر في الوهلة الأولى إلى حلفاء اميركا في المنطقة(وعلى الخصوص الدول التي تعيش صدامات مع الإرهاب) وبعبارة أخرى إنهم شركاء أميركا أيضاً في مواجهة الإرهاب(وعلى الخصوص تقوية مجلس التعاون الخليجي)، وفي الوهلة الثانية تتم الاستعانة بالقوات الاستراتيجية الجوية والبحرية بدلاً من التأكيد على استخدام الوسائل العسكرية حيث تقوم أميركا بالاستفادة من أساليب أخرى مثل الوسائل السياسية والاقتصادية والدبلوماسية ، إذ يعدّ التنسيق والتعاون العنصر الاساسي فيها، ويعدّ هذا التعاون القائم على أساس المصالح والاحترام المشترك وعلى الخصوص بين القوى العظمى طريق الحل لمشاكل وتحديات القرن 21 في العالم.
إن التعددية واعتماد استراتيجية تقليل الأثر الشامل للإجراءات الاستخباراتية والعسكرية والأمنية في مواجهة الإرهاب والهجمات السايبيرية و…. والهدف من وراء هذه الاستراتيجية مضافاً إلى تقليل النفقات الباهظة التي ستتحملها أميركا فإنها ستقلل من حجم الاعمال الارهابية أيضاً كما أنها تتمتع بالمميزات التالية:
-الاستفادة من القوى غير العسكرية والأمنية كالسفارات.
– هذا النوع من العمليات عادة ما يكون صغيراً.
– اتصاف هذا النوع من العمليات بعدم المباشرة وتنفذ في إطار إئتلافات و إتحادات.
– طول أمد هذه العمليات.
– ذات منهج وقائي من الأخطار قبل تحولها إلى أزمة عبر تشخيصها والاستعداد لها.
لقد رأينا بوضوح استخدام هذه الأساليب من قبل أميركا في الحرب ضد داعش، وسعيها في اعتقال بن لادن عام 2011 م، وكما قال أوباما: (إذا لم تتمكن الباكستان من القبض على بن لادن فإن أمريكا ستقوم بذلك).
إن مسألة توجه اميركا نحو محور الشرق أو محور آسيا التي طرحت أبان رئاسة أوباما واستمرت في عهد ترامب، ترتكز على استراتيجية اميركا العامة في خفض تواجدها العسكري في غرب آسيا وشمال أفريقيا ونقل القوات إلى آسيا والمحيط الهادي، ولهذا تعمل الولايات المتحدة بجد من أجل تحسين مستوى تأهب وجاهزية قواتها وآلاتها الحربية، ولذلك نرى أنها قد استثمرت الكثير في بعض المجالات الخاصة المتعلقة بذلك.
مضافا إلى التعددية فإن أميركا تسعى إلى اشراك حلفائها وادخالهم المنطقة، وتقوية شركائها الإقليميين وهذا بالضبط ما كنا نشاهده في استراتيجية مواجهة داعش.
الاستراتيجية الأميركية قبال جماعة داعش الإرهابية:
في البدء ، يجب أن نأخذ في نظر الاعتبار أن داعش لا يعد تهديداً مباشرًا للمصالح الأساسية الأمريكية التي اشرنا اليها في بداية المقالة، لذا لا توجد ضرورة في زيادة حجم تواجد القوات الأميركية في هذا المجال.
على الرغم من أن اوباما قد اعتبر الإرهاب أكبر تهديد مباشر ضد اميركا في الداخل والخارج لكن هذا الكلام لا يؤثر في التقييم.
وبشكل عام الاستراتيجية الأميركية تجاه الجماعات الإرهابية على نحوين:
1-اتباع أسلوب الحرب مع مكافحة الشغب ومثال ذلك أن أميركا تعتبر الطالبان عدوا لها ، ولكنها تعتقد من زاوية علم الاجتماع ان هذه الحرب لا يمكن ان تنتصر دون دعم الناس.
وهذا “النهج” يتطلب زيادة أعداد القوات البرية، ويخالف استخدام الأسلحة المتطورة ، مثل الطائرات المسيرة لأنه يؤدي الى خسائر غير عسكرية.
2- المنهج الذي يقابله منهج مكافحة الإرهاب الذي يحظى بدعم الشخصيات السياسية والأمنية مثل: جوبايدن ونائب رئيس الجمهورية و رام ايمانويل رئيس موظفي البيت الأبيض، فمن وجهة نظرهم أن القاعدة وطالبان لا يعتبرون العدو الأساس، فالتوغل في المجتمع الأفغاني يضر بمصالح امريكا لذا بدلا من زيادة حجم القوات في افغانستان تشدد على ضرورة استخدام وسائل عسكرية متطورة في ملاحقة عناصر القاعدة والقضاء عليهم بالاستفادة من وسائل كالطائرات المسيرة والعمليات الاستخباراتية وقوات العمليات الخاصة، وعمليات القتل الهادف، وتجنب ارسال المشاة و….وتعتبر ذلك هي الخطوات الصائبة.( جمشيدي، 1395: 36)
هذا النحو الثاني يمثل الرؤية الحالية لأميركا تجاه داعش، ومن باب المثال قام اوباما في عام2014 بتقييم التهديد الناشئ من توسع داعش محلياً وذهب إلى عدم اعتباره تهديدا حقيقيا يستلزم ارسال قوات.
وبشكل عام فإن سياسة عدم تدخل أميركا تعد من العلل الأساسية لردود فعل أميركا المتأخرة جداً تجاه داعش. وبصورة عامة، ما يجب أن نذكره بخصوص داعش أنها والقاعدة ليستا مشكلة في حد ذاتهما ، ولكنهما آثار لمشاكل خاصة.
إن هذا النوع من الجماعات الإرهابية يشتد وتزداد قوته عندما يظهر في بلد أو منطقة تعاني من فراغ في السلطة.
فالحرب الأهلية وعدم وجود حكومة مركزية قوية، بعبارة أخرى وجود فراغا في السلطة يمثل عاملا اساسيا لظواهر امثال داعش، كما حصل في سورية والعراق إذ تمكنت داعش من بسط نفسها بسرعة.
ويعود في الواقع هذا الفراغ بعد التواجد الواسع لأميركا في العراق عام 2001وخروجها الذي قد وفّر الارضية لظهور داعش واتساع نفوذها، وهذا ما حصل بالضبط في أكثر دول المنطقة التي تدخلت فيها أميركا عسكرياً، وإن اختلف ذلك سعة وشدة من مكان الى آخر.
ومن الطبيعي أن يكون هذا الأمر ضارّاً بالمصالح الأميركية بشكل كبير لاسيما في مجال تأمين الطاقة وكذلك تعرض أمن الجنود الأميركان وحلفائها ومواطنيها للخطر.
وفيما يتعلق بداعش فإن هذه المخاوف قائمة أيضاً حيث قد يؤدي التدخل العسكري ـ علاوة على ما يصاحبه من تكاليف مالية باهضة ـ إلى زيادة الأوضاع سوءا ولا يعد ذلك صورة حل دائمة مناسبة .
لكن أميركا في البداية لم تكن لديها استراتيجة خاصة قبال داعش، وذلك لأنها لم تعتبر هذه الجماعة تشكل تهديداً مباشراً لها.
من أجل التدخل العسكري واقناع رئيس الجمهورية وسياسيي الولايات المتحدة بخصوص موضوع مثل داعش، يجب أن توضع بالحسبان اربعة متغيرات في نفس الوقت، وإذا كانت كلها أو بعضها يمكنها الاقناع فستقوم الولايات المتحدة بذلك.
والمتغيرات الأربعة هي كالآتي:
1-ضرورة الاستراتيجية: بمعنى أن جيوسياسية المنطقة والأزمات والدول المتأزمة لأي حد مهمة بالنسبة لأميركا.
2- الشرعية الدولية: في حالة “التدخل العسكري” الى أي مستوى ستتمكن الأمم المتحدة والدول الأخرى من دعمها أو مساعدتها اقتصاديا وعسكريا.
3- الشرعية الداخلية: بما أنه يتوجب على المسؤولين أن يفكروا بالدورات الحكومية القادمة ورئاسة الجمهورية أو تمثيلهم للشعب؛ لذا فالرأي العام للشعب الأميركي هام جداً في هذا المجال.
4- المقارنات التاريخية: بمعنى أنه في بعض الحالات المشابه لهذه الأزمة، كيف كانت العواقب التي واجهتها الولايات المتحدة.( يزدان بناه وجانفشان، 1392: 267ـ270)
ونظراً لأهمية العراق ونفطه، وقربه من سوريا والسعودية وتركيا، والتهديد الذي يشكله داعش لأوروبا ، كان لمواجهة هذه الجماعة ضرورة استراتيجية، كما تمتاز بشرعية دولية وداخلية.
ولكن في المقارنة التاريخية، وتجربة الحرب ضد القاعدة والحرب في العراق كانت تجربة قاسية وصعبة.
ومن هنا فإن ردود الفعل تبدو ضرورية لكن ليس كل ردّ فعل، ومع هذا فإن استراتيجية اوباما تضمنت الهجمات الجوية، ومن ثم ارسال قوات عسكرية محدودة جداً من أجل حماية السفارة الأميركية في بغداد، والقنصلية الأميركية في الموصل، وبعض النقاط الاستراتيجية كمطار بغداد، فكانت هذه الخطوات تمثل رد الفعل الوحيد من قبل أميركا، وذلك بعد سقوط الموصل وقد تأكدت من عدم قدرة حكومة العراق من السيطرة على داعش.
بشكل عام ان امريكا لم يكن في استراتيجيتها القضاء على داعش على الأقل في البداية، وفي أفضل الحالات ستقتصر سياستها في مواجهة داعش على السيطرة عليه، والحد من نشاطه وقطع مصادره المالية.
فيما سبق كانت أميركا كانت تعول بشكل كبير على قدرة حكومة العراق والبيشمركة والقوات المتواجدة في المنطقة أمثال فيلق القدس في السيطرة على داعش، ولهذا قدمت للموردين الأوليين مستشارين وتجهيزات وتدريب خاص.
أمّا في الوقت الحالي فيمثل داعش الأولوية في المنطقة بالنسبة لأميركا وكذلك تعتبر النصرة خطرا وتسعى لمواجهتها لكن داعش يقع في اولوية برامج اميركا، وتأكد على دخول عناصر جديدة مؤثرة في الحرب على داعش، إن أميركا حتى احداث باريس وعمليات الاختطاف في امريكا كانت تعتمد سياسة مرور الوقت والصبر إلى جانب سائر الخطوات إلى أن تصل إلى نتيجة.( kaygan,2016:15). لكن حادثة 13نوفمبر عام 2016 قد فرضت ضرورة تواجد القوات البرية العسكرية، وفي كانون الأول ارسلت الولايات المتحدة 3500 عسكرياً الى العراق، في الحقيقة إن ضرورة وجود هكذا سياسة أمرا كان متخذاً من الأول، ولكن بعد هذه اللحظة شاهدنا أسلوب (الخطوات المحدودة)، وهذا الأمر اشتملت أرضيته المساعدة على وجود نزعة قومية ايجابية لدى شعوب المنطقة، ووجود دعم دولي واسع وسيطرة كاملة على الجو، وكان ذلك أفضل خيار لأميركا؛ لذا أرسلت أميركا قواتها الخاصة إلى المنطقة وضاعفت من حجم قواتها الجوية حيث بلغت الضربات الموجه لداعش لغاية 10 كانون الثاني من عام 2016م (20353) هدفا من مواضع داعش.
ولو نلقي نظرة عامة على الاستراتيجية الأميركية في هذه الحرب سيبرز لنا عشرة عناصر أساسية وهي:
1- دعم الحكومة الكفوءة-في نظر أميركا-: تسعى الحكومة الأميركية إلى إيجاد( الحكم الفيدرالي ) بمعنى منح صلاحيات اوسع للمحافظات والمناطق المختلفة في العراق، وطبقت هذه الاستراتيجية في افغانستان أيضا.
وترى امريكا أن دعم الحكومة الأفغانية من أجل الوقوف بوجه القاعدة والطالبان وداعش أمرا ضروريا.
2- عدم حصول داعش على مناطق آمنة: أرادت الولايات المتحدة من خلال استخدامها للعمليات الاستخباراتية والمراقبة والتجسس والإسناد الجوي قطع الطريق أمام تحرك داعش بحرية وتنقلها بين سورية والعراق، وقد انجزت هذه العمليات بطريقين، أولاً توفير الدعم الجوي لحليف تعتمد عليه وإضعاف داعش وهزيمته، ثانياً السعي لإيجاد حليف في سورية.
3- تقوية الحلفاء بالأخص تجهيزهم عسكرياً: تضمن هذا الأمر تقوية قوى الأمن العراقي والمعارضين للحكومة السورية بصدد مواجهة داعش – هذه السياسة التي اعلنتها الحكومة الأميركية وليست رأي كاتب المقال- وفي هذا المجال قدمت تجهيزات عسكرية كالأسلحة والعتاد والمستشارين للقوات العراقية بما فيهم الأكراد وضاعفت من قدراتهم في مجال التخطيط والقيادة والعمليات القتالية ضد داعش، وترى من الضروري الحصول على دعم مالي من المجلس لمواجهة داعش، وقدمت 6/1مليار دولار لتدريب القوات العراقية وفق قرار المجلس .
وطلب مبلغا مقداره 8/1مليار دولار لشراء 45000 مضخة ذكية مع جهاز تحكم عن بعد (جي بي اس)، وصواريخ ليزرية كلّ ذلك يصب في هذا الصدد.
ففي لقاء لـ( السي أن أن) مع جون كيري ذكر أكثر من هذا فقال: نحن نسعى لعودة الإسلام من خلال المسلمين، وأنا اتصور أنكم ستستمعون إلى مواضيع اكثر من قبل مفتي السعودية.
وفي هذا الصدد باعت أميركا لبغداد اكثر من 5000 صاروخ (جو أرض) هيلفاير ، وكذلك سلمت طائرات اف 16 والآباشي التي تم شرائهما عام 2011و2012م مضافاً إلى ارسالها بعض التجهيزات الخفيفة والأعتدة، التي ذهب جزء منها للبيشمركة.
وفي الميثاق الأمني الوطني أعلن ترامب بوجوب التعاون مع حلفائنا وشركائنا ضمن استراتيجية طويلة الأمد.
وبين أنه يجب تقوية وتجهيز حلفاء أميركا في سبيل مواجهة الإرهاب، وحفظ النظم والتوازن في المنطقة وكان من ضمن هذه التجهيزات منظومة الدفاع الصاروخي، وبعبارة أخرى إن الهدف الرئيسي كان تقسيم مسؤولية مكافحة الإرهاب.
4- زيادة القدرة الاستخباراتية ضد داعش: وكان اكثر من يعمل في هذا المجال هم المخابرات الوطنية والمركز الوطني ضد الإرهاب، والاستفادة من طائرات التجسس والطائرات المسيرة.
5- قطع المصادر المالية لداعش: وفي هذا المجال نذكر الإجراءات التالية:
أ- تقليص عائدات داعش النفطية.
ب- الحد من قدرة داعش لابتزاز الناس.
ج- الحيلولة دون ابتزاز الناس واختطاف الأشخاص من قبل داعش.
د- منع داعش من الحصول على نظام مالي.
ح- المنع من وصول المساعدات المالية لهذه الجماعة.
و- فرض العقوبات على من يدعم داعش ماليا.
ز- المنع من بيع المنتجات الثقافية (مثل آثار المتاحف).
فهذه الخطوات بالإضافة إلى الضربات الجوية لدول التحالف على مصافي ومخازن النفط التي يسيطر عليها داعش، قد قلصت من دخل داعش من مليون دولار يومياً إلى بضعة ملايين في الأسبوع.
وطبقا للمادة 219 من قانون الهجرة والجنسية الأميركي، والقانون التنفيذي 13224
ومفاده أن كل شخص يتعامل أو يدعم منظمة ارهابية خارجية واعضائها بأي نحو كان، سيتم حظر ممتلكاته، وتدرج اسمائهم في قائمة العقوبات( Rosen,2015:18)
6- إبراز الصورة الحقيقية لداعش: وتتلخص هذه الخطوة ، بالإضافة إلى إظهار جرائم داعش وكشف الحقائق ضدها من أجل اسقاط شرعيتها، و تدمير شبكاتها عن طريق ايجاد النفرة منها وخلق اضطرابات اجتماعية فيها من الداخل، والحد من فرصها السياسية.
7- قطع عملية التحاق الأجانب بجماعة داعش: بحسب دراسة وتقييم معهد (بروكنجز) بأنه إلى عام 2015م، قد حصل أكثر من 46000 حساب في تويتر على دعم، وهؤلاء علاوة على أنهم يمكن أن يكونوا اعضاء في جماعة داعش بإمكانهم ايضا أن يستقطبوا اعضاء لها، وهذا ما جعل أميركا تقدّم قرارين إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ( 2170و2178)، وطبقاً للقرار الأول يتوجب على جميع أعضاء الأمم المتحدة أن يقوموا بخطوات على المستوى الدولي لمواجهة انتماء الأجانب إلى داعش، وطبقاً للقرار الثاني لمجلس الأمن المرقم 2178 طالب الأعضاء بالعمل على ايقاف انتقال وتجهيز الأشخاص الأجانب.
8- حماية الدولة.
9- المساعدة الإنسانية الأميركية من غذاء وماء التي ارسلتها أميركا إلى المناطق المحاصرة مثل جبال سنجار، وكذلك المساعدات إلى مدينة آمرلي، والمساعدات الطبية والتجهيزات العسكرية التي أرسلتها إلى أكراد كوباني (مدينة عين العرب)
10- استخدام وسائل متنوعة لمكافحة الأنشطة الأنترنيتية، وكشف الأسواق الأنترنيتية، وملاحقة سائر الأنشطة الإرهابية عبر الإنترنت.
ويرى السيناتور كارل ليفين عدم الاكتفاء بالضربات الجوية التي يقوم بها التحالف، ويعتقد بأنه وفقا لكلام الرئيس الأميركي ووزير الدفاع الأسبق هيجل، و الجنرال مارتن ديمبسي أن هذه الاستراتيجية ستضمن العناصر التالية أيضاً:
– تواجد حلفاء أميركا العرب في المنطقة ومشاركتهم.
– الانتصار الكامل في العراق يتطلب دعم المجتمع العراقي، بما في ذلك الأكراد والسنة والشيعة والأقليات الدينية وما إلى ذلك، كما على الحكومة الجديدة أن تراعي مخاوف السنة.
– القتال والتصدي للإرهاب في العراق وسورية يقوم به العراقيون والسوريون بدعم الإئتلاف.
كما أن أميركا تتبنى عملية تدريب وتجهيز القوات العراقية والأكراد والسوريين، وتحدّث أيضاً عن ضرورة تدريب المعارضين السوريين.
وقد أكمل وزير الدفاع بيانه لخطوط استراتيجية الصراع ضد داعش بالإيضاحات التالية:
-من خلال التعاون القريب مع حكومة العراق ستتزايد ضربات الإئتلاف الجوية، وهذه الضربات تتركز على أهداف محددة ومواضع تواجد داعش في سورية، وفي هذا الصدد من الضروري تقوية قوات الأمن العراقية والأكراد.
– زيادة الإسناد الجوي للقوات البرية التي تقاتل داعش على الأرض، وهذا الإسناد شمل القوات العراقية والأكراد والقوات المعتدلة (المعارضة للحكومة السورية).
وفي هذا المجال دخل العراق 475 من القوات الأميركية بينهم 150مستشارا عسكريا و125 شخصا يقومون بعمليات الدعم الاستخباراتي، وآخرين يتولون مسؤولية تنسيق العمليات العسكرية على الأخص في العراق.
و بما أن السكان المحليين هم أفضل طريق لقتال داعش، فإن وزارة الدفاع الأميركية ستقدم على تدريب وتجهيز المعارضة السورية بدعم مالي يبلغ 500مليون دولار من قبل السعودية.
وتضمن تجهيز المعارضة عددا من العجلات واجهزة الاتصال وبعض المعدّات الحربية الخفيفة.
-من الضروري الحيلولة دون وقوع هجمات يقوم بها داعش ضد أميركا وحلفائها؛ لذا وبالتعاون مع حلفائها ستتخذ خطوات واعمال استخباراتية وتقنين وديبلوماسية واقتصادية. وتعمل كذلك على التعاون مع وزارتي العدل والداخلية بخصوص الحد من انتماء المواطنين إلى داعش.
– وأخيراً تقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين الذين هم في معرض تهديد داعش، وفي هذا المجال علاوة على مساهمة الحكومة العراقية فقد ساهمت بريطانيا وكندا واستراليا أيضاً حيث بلغت كلفة ذلك أكثر من 186مليون دولار.
وقد بين الرئيس الأميركي خلال مراسم التحليف:( ان هزيمة داعش والجماعات الإسلامية الإرهابية تمثل اهم اولوياته)، وقال:(ان هزيمة هذه الجماعات والقضاء عليها سيكون ضرورياً من خلال التعاون والتحالف العسكري)، فبالأخذ بنظر الاعتبار: التعددية، وضرورة خفض النفقات، وضرورة قتال داعش نكون قد شهدنا تطبيق استراتيجية عامة في فترة رئاسة ترامب مماثلة لما كان على عهد اوباما، ومثال ذلك ارسال 400من مشاة البحرية الأميركية الى شمال سوريا وارسال 300 عسكري مظلي إلى الموصل.
لذا بناء على عناصر الاستراتيجية ضد داعش ونظراً الى ان امريكا في بداية تشكيل داعش لم تكتشف بأنه خطر وجودي يهدد مصالحها وهويتها، كانت تحمل رؤية متسامحة تجاه نمو هذه المنظمة ونشاطها.
ولكنها هجمات داعش ضد حلفاء اميركا جعلها تتخذ قرارها بمواصلة مكافحة داعش إلى حد أن اوباما صرح قائلاً:(ان اللغة الوحيدة التي يفهمها القتلة امثال داعش هي لغة القوة).
لذا على الرغم من ان امريكا قد قررت مسبقا اخراج قواتها من المنطقة وإبقاء بعض القوات الخاصة والمستشارين لمهام التدريب والاستشارة فقط ، إلا أنها اتخذت استراتيجية خفض التواجد، وذلك يستلزم الاستفادة من طاقات حلفائها في المنطقة، وسكان المناطق الساخنة، وهو ما اتخذته اميركا في العراق(في مراحل تقليدية غير طائفية ولا سياسية) وفي سوريا (تحت عنوان الجيش الحر).
وكما أوضحنا أن هدف أميركا يتلخص بإعطاء دور أكبر لهؤلاء المؤثرين في الحكومة المستقبلية لهذه البلدان. وطبقاً لهذه الاستراتيجية فإن الحرب ستكون طويلة الأمد وتواجد امريكا بشكل عام يكون غير مباشر ويقتصر على ارسال المشاورين والمدربين والتجهيز، ولا تنوي اميركا القتال ضد داعش بشكل مباشر- باستثناء القتال جواً وبحراً- وذلك بسبب تبعات القتال المباشر.
بشكل خاص أن أسلوب وطريقة اميركا في حربها ضد داعش يكمن في استخدامها الطائرات المسيرة وصواريخ كروز، فعلى سبيل المثال في 22و23سبتمبر عام2014 اطلقت اميركا هذه الصواريخ على مواضع لداعش في سورية.
وبناء على تصريح القيادة الأميركية المركزية إن أميركا استخدمت الطائرات الحربية والقاذفة والطائرات المسيرة في القضاء على عناصر داعش وتدمير مقراتهم ومعداتهم في سورية والعراق.
ومن وسائل الحرب الأخرى القوات الخاصة ولو كانت بمقدار قليل إلاّ أنها حياتية بالنسبة لأميركا التي تم ذكرها فيما تقدم.
وفي عام 2013دون قائد القوات الأميركية الخاصة تشارلز كليفلاند مهام قوات العمليات الخاصة حتى عام 2022م.
وأشار في تقريره إلى الغموض و الريبة وهي من خصوصيات قرن 21، وفي هذا الطريق أشار إلى نوعين من الهجمات مع اهداف محددة وحرب خاصة، في الحملة على اهداف محددة وعمليات باسلوب محدد لخلق اجواء لايمكن التوصل اليها سياسية -عسكرية بهدف محاصرة وتدمير أو الحاق الضرر بأهداف معينة.
والحرب الخاصة كذلك بمعنى عمليات خاصة من قبل قوات خاصة ومدربة والتي لها فهم عميق بالغة والثقافة الاجنبية والتكتيك واعمال التخريب التي تهدف الى القتل والحاق الضرر بالمجال المحلي.
من الواضح أن الأسلوب الأول مباشر الى حد ما والثاني غير مباشر ومن خلال المشاركة والقتال ضد الإرهاب تركيب ما بين الأسلوبين.
لكن في هذه الحرب شهدنا عدة مرات التأكيد على الحرب غير المباشرة بمعنى ضرورة الاستفادة من القوات المحلية التي تتقن ثقافة ولغة المنطقة ولا تحتاج إلاّ لتدريب وتجهيز، وعلى أميركا أن ترسل قواتها بصورة محدودة وعدد محدد بما يسد الحاجة، رغم أننا شاهدنا ارسال قوات في مجالي التدريب والاستشارة، بمهام خاصة للقيام بعمليات عسكرية بصورة مباشرة وكان منها ارسال 200 جندي إلى العراق، أما الهدف هو تقليل الارتباط العسكري بأميركا من قبل القوات المتدربة والقوات المحلية في هذه الحرب، وبتعبير آخر إن هذه الحرب تظهر بوضوح التعددية الأميركية في استراتيجيتها مضافا إلى تأمين النفقات. وقد شاهدنا في جميع المراحل تواجد قوات وطائرات مقاتلة و… لمختلف الدول.
لذا فقد مضى عهد النفقات الباهظة للحروب التي كانت على عهد بوش، والحروب ضد التمرد واصطناع الدول، ولذا اصبح تحقيق الأهداف الأمنية والوطنية من خلال الحلفاء وتقليل تواجد القوات الأميركية في المنطقة الساخنة، ومن أجل منع داعش من الهجوم على اميركا بواسطة القوات البحرية والجوية فعليه أن هذه الحرب سوف لا تنتهي بسرعة.
ولهذه الأسباب ستسمر الحرب ضد داعش، فمن الممكن ان تواصل هذه الجماعات نشاطها بأسماء مختلفة.
أميركا اعتمدت رؤية خاصة في هذه الحرب تسمى (نظرية الطيران) بمعنى ان العمليات العسكرية لا تنفذ في الجو فقط بل في الجو والفضاء والفضاء الإلكتروني.
المواقف الأولى لأوباما هو الضربات الجوية للولايات المتحدة ضد داعش ، وارسال التجهيزات وبعض المستشارين وبعبارة اخرى سياسة (التجهيز والتدريب) لكنها انتهجت بعد سبتمبر 2014 وفي صدد الحد من قوة واتساع داعش اسلوباً أكثر تأثيراً بهدف اضعاف داعش والقضاء عليها من خلال زيادة الطلعات والضربات الجوية وزيادة عدد المستشارين الذين بلغ عددهم في العراق وسورية إلى أكثر من 2300 مستشارا.
وفي شهر تِـشْرِين الثاني من العام نفسه اُرسل 1500 شخصا آخر ، فبلغ العدد 3870 ، مع مضاعفة ما ارسل من الأسلحة والتجهيزات الى المعارضة السورية. وفي عام 2015 ارسلت اميركا 50 عنصرا من القوات الخاصة الى سوريا و217 عسكريا الى العراق وذلك في 18 نيسان من عام 2016م و560 جنديا لغرض اعادة بناء وتجهيز قاعدة القيارة الجوية ليصل عدد هذه القوات الى 4647 شخص.
وبالطبع لم يكن من المقرر أن تشترك هذه القوات في أي حرب مباشرة بل عليهم قيادة الحرب.
فمنذ عام 2015 وما لحقها شهدنا تغييرات سياسية في رؤية اوباما، وبدلا من سياسة (التدريب والتجهيز) اتخذ سياسة اكثر تأثيرا تسمى سياسة(التجهيز والتعزيز).
واليك الاحصاءات التالية لهذه الحرب ففي عام 2014 نشرت أميركا 6929 سلاح، وفي عام 2015 28696،وفي عام 2016 م 30743،وأخيرا في كانون الثاني من عام 2017 نشرت 3606 نوعا من الأسلحة.
وكذلك في عام 2016 قدمت امريكا 6591 اسنادا جويا، وقد شهدنا تصاعد هذا العدد بشكل ملحوظ، ففي عام 2015م بلغ العدد إلى 21116 وفي عام 2016م إلى 21181، وفي عام2017 م إلى 1705.
واحصاء العمليات الاستخباراتية والتجسسية فكما يلي:
عام2014: 2373
9514:2015
12270:2016
1017:2017
كما تزايد الضربات الجوية حتى بلغت في تاريخ 28شباط عام2017 الى 18666 ضربة جوية وكانت 11245 غارة جوية في العراق و7421 غارة في سورية، وكانت حصة اميركا 68% في العراق و95%في سوريا.
النتيجة:
السياسة الخارجية الأمريكية واستراتيجيتها العامة تتبع في الوقت الحاضر القانون الجديد، فلم يعد لغرب آسيا وشمال افريقيا أهمية كما كان في السابق، ولهذا السبب تسعى اميركا للخروج من المنطقة، وهي تعمل في هذا الصدد جاهدة على تجهيز حلفائها في المنطقة وادخال حلفائها من الغرب الى المنطقة كفرنسا وبريطانيا بهدف حفظ التوازن وتحقيق اهدافها ومصالحها.
وترى امريكا ان استمرار الجماعات الإرهابية مثل داعش وغيره في العراق وسوريا وليبيا وافغانستان امر وارد جدا؛ لذا من الضروري وضع البرامج والخطط لمواجهتهم.
ولكن الحقيقة ان هذه الجماعات لا تشكل تهديدا ماهوياً بالنسبة لأميركا ولذا فالقضاء عليها بواسطة القوات البرية لا يمثل اولوية بالنسبة لأميركا، بل القضاء عليهم تدريجيا بالتنسيق مع الحلفاء في المنطقة والقوات المحلية والتحالف الجوي والطائرات المسيرة والقوات الخاصة والقوة البحرية وفق أسلوب مكافحة هذه الجماعات.
بعبارة اخرى ان امريكا تلقي بمسؤولية نفقات هذه الحرب على كاهل الآخرين ولا تتدخل هي إلا في حالات الضرورة.
وفي هذا الصدد يكون خيارا أميركا الأول في هذه الحرب هو تقوية وتجهيز وتدريب القوات الرسمية العراقية وقوات البيشمركة والمعارضة في سورية وبالتأكيد ستكون هناك حماية من طيران التحالف.
وكذلك ستسفيد أميركا من سياسة توازن ما وراء البحر بهدف ايجاد توازن القوى في المنطقة بالأخص ضد ايران حتى لا يؤدي فراغ السلطة والقوة الموجود في دول كالعراق وسوريا الى اتساع نفوذ وقوة ايران في المنطقة، حيث اتخذت اميركا خطوات في هذا الصدد كتقوية المعارضين في سوريا ودول الخليج بشكل عام، والعمل على تأسيس ناتو عربي وتواجد أكثر لحفائها الغربيين في المنطقة.
شبكة الهدف للدراسات/ قم المقدسة