مع بلوغ درجة الغليان الشعبي والفوضى الامنية في مناطق سيطرة التحالف جنوب وشرق اليمن ذروتها، برز الدور السعودي والاماراتي للعلن باعترافات وكأن الحليفين يمهدان الطريق لجولة اقتتال جديدة على انقاض 6 سنوات من الحرب ..
في عدنالتي لا يستحي الانتقالي وهادي عن تسميتها بالعاصمة، يبدو المستقبل الذي يُرسم لجنوب اليمن قاتما وملغما، فالمدينة التي يتحدث التحالف عن “تحريرها” قبل 6 سنوات، يعيش اهلها كابوساً حقيقياً هذه الايام مع انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 18 ساعة في مدينة ساحلية تصل فيها درجة الحرارة إلى ارقام قياسية في فصل الصيف، والصور من المدينة تحز في نفس المشاهد ولها ألمٌ كبيرٌ على حال المدينة التي كانت حتى وقت قريب لا تنام. فحتى كتل الثلج التي يستعين بها الاهالي لمواجهة موجة الحر لم تعد تنتجها المدينة وقد اصبحت تستوردها من محافظة اب الخاضعة لقوات صنعاء في وسط اليمن.
مشهد اخر اكثر رعبا في هذه المدينة وتحديدا أمام معسكر قوات الإحتلال السعودية في البريقة ، حيث يواصل المئات من موظفي الدولة ومن يعتمدون عل الرواتب كمصدر دخل اساسي اعتصامهم المفتوح منذ اكثر من شهرين وسط تجاهل اطراف الصراع المحلية وحتى التحالف لمعاناتهم حتى اوصلهم القهر والاذلال إلى الموت داخل خيام لا تتجاوز المتر المربع.
لا شيء في المدينة ينبئ بحياة مدنية وقد عسكرت الفصائل أحياءها، وتتأهب لكتم أي صوت يئن من واقع الحال، وقد استعانت قوات الانتقالي بكافة قواتها في المدينة ومحيطها تحسبا لأية تظاهرات تطالب بأبسط الحقوق، مع أن الانتقالي ذاته يئن باعتبار حاضنته الشعبية تتضور جوعا، لكن رغم الانين الذي برز بتعليق ناطق المجلس نزار هيثم على موت صديقه الطيار عبدالعزيز المصباحي داخل خيمته بعد 70 يوما من الاعتصام، لا يبدو بان المجلس الذي يحاول الهروب من المعاناة باستحضار رسائل لروسيا وكندا يشكوا فيها الوضع الحالي مع أن هاتين الدولتين لا تملكان نفوذا ولا تعير الانتقالي اهتماما نظرا لحجم مصالحهما المتداخلة مع السعودية التي يريد استفزازها بخصومها في محاولة لتحريك البرود الحاصل في موقفها تجاه محافظها الذي اوكلت له مهام ادارة عدن ووعدته بدعمه بينما كانت في الاساس تخطط لإغراق المجلس وليد الحرب.
لكن وبدلا من انقاذه او حتى التعاطف معه كوكيل حربها المخلص، سارعت السعودية لاثخان الانتقالي ، بإعلان سفيرها لدى اليمن محمد ال جابر عدم علاقة بلاده بما يجري في الجنوب واستبعد الكهرباء من مشاريعه التي قال انها تصل إلى اكثر من 100 مشروع وتتعلق بالتعليم والصحة.. ولكي تكون الصفعة السعودية قوية اختار ال جابر أبرز ناشطي الانتقالي ومنظروه، احمد الصالح، ليصارح المجلس بان السعودية لن تدعمه مع ان وفده لا يزال في الرياض وتحت الاقامة الجبرية .
وقال السفير ال جابر إنه ينفذ أجندة بلاده واصفا اتهامات الانتقالي له بـ”الكيدية” وأشار بأن الامن والاستقرار في كافة ما وصفها بـ”المناطق المحررة” مقرون بتنفيذ الانتقالي وهادي لاتفاق الرياض، وأن الكهرباء لن تُعالج الا عبر الحكومة الجديدة وهو بذلك يشير إلى ضرورة تقديم الانتقالي تنازلات لصالح هادي مقابل انقاذه من الوضع الحالي.
الوضع لا يبدو أفضل حالا في الجانب الشرقي من اليمن وتحديدا في مناطق “الشرعية” حيث بدأت مظاهر الفوضى تدب في محافظات شبوة وحضرموت مع تسجيل حالتي اغتيال ومحاولة مع استمرار التظاهرات المنددة بانقطاع الكهرباء في حضرموت ، لكن ما يميز حضرموت الساحل أن الامارات من تخلت عنها هذه المرة، وقد عاد المحافظ فرج البحسني الذي زار قبل ايام ابوظبي سرا وعقد صفقة مع شركة العين سولار لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية خالي الوفاض وفضل استدعاء جنرالاته لمنع تفاقم الوضع الامني.
هذه ليست الا البداية، وفق المؤشرات على الارض، وقد تشهد هذه المحافظات وضعاً اسوأ بكثير ما يرى مراقبون ولن يتوقف عند الاغتيالات او الكهرباء بل قد يتعدى ذلك للمساس بالقوت اليومي للمواطن في ظل مؤشرات انهيار العملة واقترابها في مناطق “الشرعية” من حاجز الـ900 ريال للدولار، وهذه التأثيرات الناجمة عن رفض السعودية تمديد الوديعة السعودية قد تنجم عنها انفجار قياسي بأسعار المواد الغذائية قد يعجز اغلب مواطني تلك المحافظات حتى من شراء قرص الخبز، وفقا لتحذيرات الغذاء العالمي الاخيرة.
بالمجمل ما يدور في مناطق سيطرة التحالف مؤامرة جديدة ضد اليمنيين هناك، وإن بدأت في ظاهرها كصراعات بين القوى المحلية التي انجبها التحالف اصلا وسبق له استخدامها في حربه على اليمن قبل أن يفشل بها في الشمال، وهدفه هذه المرة تنفيذ الضربة القاضية للقضاء على ما تبقى من مقومات حياة هناك واغراق الاهالي في موجة من الفقر والمجاعة لإجبارهم على القبول بمخططه الخطير للاستحواذ على مقدرات البلد الاستراتيجية والدخل القومي مع رفعه درجة الصراع بين اتباعه، في نهاية المطاف حتى الاتفاقيات التي يبرر بها هذه الخطوات المميتة بحق شعب محاصر منذ 6 سنوات تبقى مجرد موسيقى لعزف ايقاع تدمير اليمن ارضا وانسانا.
الواقع السعودي