الولايات المتحدة وحوارها الاستراتيجي مع العراق

644

الدكتور أنور سعيد الحيدري

    يبدو أن “الحوار الستراتيجي” بين الولايات المتحدة والعراق، والذي انطلق في حزيران ٢٠٢٠ في جلسة افتراضية عقدت بين وفدي البلدين، سرعان ما تمخض عن إتفاقات وتفاهمات بينهما صدرت رسميا في ١٩ آب ٢٠٢٠، بعد زيارة الوفد العراقي إلى واشنطن، والذي تزعمه بداية وزير الخارجية العراقي، وليعلن عن مضامين ذلك الحوار ونتائجه رسميا من وزارتي الخارجية في كلا البلدين.

    وقد جرى التأكيد على أن اتفاقية الإطار الستراتيجي الموقعة بين البلدين عام ٢٠٠٨م هي الأساس لذلك الحوار ومخرجاته، ولكن لم يبين الجانب الأمريكي أسباب عدم تنشيط هكذا “حوار” خلال مدة ١٢ عاما من توقيع الاتفاقية.

    وجرى توقيت هذا الحوار في ظرف حرج للغاية بالنسبة للإدارة الأمريكية المقبلة على انتخابات رئاسية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر وسط مشكلات القت بظلالها على أدائها، لربما كان أبرزها تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد الأميركي، والوضع غير المستقر في الشرق الأوسط عموما، وكذلك تداعيات وجود القوات الأمريكية في الخارج على الداخل الأمريكي، وهو أمر لا يحظى بترحيب من الرأي العام الأميركي المفترض أن يتوجه إلى صناديق الاقتراع بعد ما يقل عن عشرة أسابيع.

    ليس سرا أن زيارة رئيس وزراء العراق إلى البيت الأبيض، ولقاءه الرئيس ترامب، وعقد مؤتمر صحفي بين وزيري خارجية البلدين، يشكل مساحة إعلامية وإعلانية مهمة للرئيس وطاقمه في حملته لإعادة انتخابه لولاية ثانية، سيما وأنه يستعرض منجزات، ويعد بإنجازات، قائمة على أساس القوة الأمريكية بشقيها العسكري والاقتصادي من جانب، والإعلان عن الرغبة في تخفيض وجود القوات الأمريكية في الخارج (أفغانستان، العراق، سوريا) إلى أقصى حد ممكن، والاحتفاء بـ”النصر النهائي” على (داعش) بعد أخطاء قامت بها إدارة الرئيس السابق (أوباما/ الديمقراطي)- وفقا للرئيس ترامب.

    ويبدو أن الوفد الرسمي العراقي كان قد انطلق في رؤيته للعلاقة بين البلدين من الإقرار بالاحتلال الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣م، بل وعد ذلك إنجازا يسجل للولايات المتحدة بإسقاطها للنظام السابق، وفقا لما صرح به رئيس الوزراء العراقي، في وقت كان فيه الرئيس الأمريكي قد عد ذلك خطأً وقعت فيه إدارة الرئيس جورج بوش الابن.

    لذا، لم يدرج الوفد العراقي على طاولة الحوار موضوعات تداعيات وآثار الاحتلال الأميركي للعراق من خسائر وأضرار معنوية ومادية لحقت بالعراق والعراقيين، كما لم تتم الإشارة إلى ضرورة تعويض ضحايا الاحتلال الأمريكي من العراقيين، ناهيك عن الاعتداءات الأميركية المتكررة على قطعات عسكرية ومواقع مدنية قامت بها القوات الأمريكية، بما فيها حادثة المطار في ٣ كانون الثاني ٢٠٢٠، عندما أقدمت إدارة الرئيس ترامب على اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية برفقة قائد فيلق القدس الإيراني الذي كان في مهمة رسمية في العراق في محيط مطار بغداد الدولي (المدني).

أولا- انسحاب القوات الأميركية من العراق:

    يبدو أن موضوع انسحاب القوات الأميركية من العراق هو الموضوع الأكثر إثارة جدلا في موضوعة “الحوار الاستراتيجي” بين البلدين. فبعد سلسلة من الاعتداءات الأميركية على أهداف عسكرية ومدنية عراقية توجت بجريمة (المطار)، اتخذ مجلس النواب العراقي في ٥ كانون الثاني/ يناير ٢٠٢٠ قرارا داعما للحكومة العراقية يقضي بإخراج قوات التحالف الدولي- وفي مقدمتها القوات الأمريكية- من العراق. وبدأت وزارة الخارجية العراقية

بإجراءاتها بهذا الصدد عبر مخاطبة مجلس الأمن بإنهاء مهام تلك القوات في العراق، بعد أن كانت وزارة الخارجية العراقية قد طلبت من مجلس الأمن عام ٢٠١٤ إرسال قوات دولية إلى العراق لمواجهة هجوم ميليشيات داعش على بعض المدن العراقية، في وقت لم تف فيه الولايات المتحدة بالتزامها تجاه العراق بدعمه عسكريا وفقا لاتفاقية الإطار الاستراتيجي.

     ومن المفارقات أن:

  • نتائج الجولة الأولى من “الحوار”، قد اشارت إلى كتابي وزارة الخارجية العراقية إلى مجلس الأمن في العام ٢٠١٤، دون أن تشير إلى كتاب الوزارة الذي يطلب من مجلس الأمن سحب تلك القوات عام ٢٠٢٠.
  • في الجولة الثانية، لم يتطرق الجانبان رسميا إلى موضوعة الانسحاب الكامل والى مخاطبات العراق لمجلس الأمن. مثلما غيب مجلس الأمن تماما والأمم المتحدة عموما عن الجولتين، وأخذت الولايات المتحدة تتحدث نيابة عن (التحالف الدولي) وعن (الناتو) في حين أن (اتفاقية الإطار) كانت مع الولايات المتحدة حصرا ولم تضم مع العراق دولة سواها. ويبدو أن الولايات المتحدة اتخذت من وجودها العسكري في العراق عبر (التحالف الدولي) شباكا تسللت منه بعد أن كانت قد غادرته عام ٢٠١١ وفقا لاتفاقية الإطار ذاتها.
  • وفي البيان الختامي المشترك، أعلن عن امتنان العراق للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في هزيمة (داعش)، وأن النجاح المشترك للقوات العراقية وقوات التحالف الدولي في هزيمة داعش، قد مهد السبيل إلى مرحلة جديدة لانتقال مهام (التحالف) إلى مواصلة تدريب وتجهيز ودعم القوات العراقية، وأكدت الحكومة العراقية استعدادها لحماية أفراد قوات (التحالف)، الذي أعاد نشر مواقعه في العراق بعد هزيمة (داعش)، ولكن البيان لم يذكر ولم يشر إلى أية دولة من دول التحالف باستثناء الولايات المتحدة، مثلما لم يصدر أي بيان او موقف من مجلس الأمن أو دول التحالف او الناتو يشير إلى أن الولايات المتحدة هي من تمثله في هذا “الحوار”، وأنه طرف فيه.

وهكذا نجد أن موضوعة انسحاب القوات الأميركية من العراق، وإن كانت حاضرة في “الحوار”، إلا أنها لم تأخذ بعدا واضحا محدد المعالم يخرج بنتائج محددة. والخلاصة التي يمكن استنتاجها هي أن القوات الأمريكية باقية في العراق تحت غطاء (التحالف الدولي) ومؤطرة بـ(اتفاقية الإطار)، مع إمكانية إعادة انتشارها، وإن العراق “ممتن” لها لمساعدتها له في هزيمة (داعش)، وأنها ستستمر في دعم العراق في هذا المسار، وكذلك في تدريب القوات العراقية.

     ومن المفارقات أيضا أن وزير الخارجية الأمريكي ذكر في المؤتمر الصحفي الذي جمع الرئيس الأميركي ورئيس مجلس الوزراء العراقي أن القوات الأميركية في العراق ستقلص إلى أدنى مستوى لها كما ذكر الرئيس، وكما هو الحال في أفغانستان حيث سيتقلص العدد إلى ٤٠٠٠ جندي أمريكي في غضون عدة أشهر. وقد أيده الرئيس في ذلك سيما ما يخص سوريا حينما ذكر بأن عدد القوات الأمريكية في سوريا هو لا شيء تقريبا، وأنها موجودة “لحماية النفط”. بعد أن كان قد طلب منه التصريح بهذا الشأن بناء على سؤال صحفي عن عدد القوات الأمريكية في العراق وجدولة انسحابها. ولكن قبل يوم واحد، وفي المؤتمر الصحفي مع وزير الخارجية العراقي، وعندما سألته صحفية السؤال ذاته، “لقد ناقشتم في الخوار الاستراتيجي الأول أنه سيكون هناك خفض للقوات الأمريكية في العراق. هل يوجد جدول زمني وأرقام محددة؟ كان رده: “ليس لدينا ما نعلنه بخصوص الأرقام. لكني احث الجميع… على عدم التركيز على ذلك. ينصب التركيز الحقيقي على الجهود المشتركة التي نبذلها في كل قضية من القضايا، سواء كانت الجهود الاقتصادية أو جهود المساعدة الإنسانية، أم المساعدة الأمنية.

شبكة الهدف للتحليل الساسي

اترك تعليق

قم باضافة تعليق
الرجاء ادخال اسمك هنا