كشف تفاصيل مخطط الرياض لغزو قطر.. سر التوقيت وفشل التنفيذ

628

يوسف حمود

لا تزال أزمة اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية وما تبعها من قطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع الدوحة في 5 يونيو 2017، تتكشف يوماً تلو الآخر، وصولاً إلى الكشف عن مخطط كبير كان يهدف إلى غزو قطر.

ومنذ بدء الأزمة الخليجية داومت ما باتت تُعرف بـ”دول حصار قطر” خاصةً الإمارات والسعودية، تأكيد عدم وجود إشارات على انفراجها، وأن حل الأزمة لا يشكل أولوية بالنسبة لهما، في ظل إصرار قطر على عدم تحقيق شروطهما للحل، على حد قولهما، لتأتي تقارير دولية لتزيح الستار عن هدف الأزمة الخليجية، ولتكشف ربما عن أحد أسباب استمرار تلك الأزمة.

والأزمة الخليجية هي الأكبر في التاريخ الحديث بين دول الخليج العربي، خصوصاً مع لجوء الدول الخليجية المتخاصمة إلى طابع استراتيجي طويل المدى، من خلال تحديد السياسات ورسم خطوط التحالفات أو التباينات السياسية في المستقبل القريب على الأقل.

“غزو قطر”

ومع مرور 3 أعوام وشهرين على أزمة الخليج القائمة، ما زالت التسريبات تخرج بمعلومات جديدة حول ما مرت به الأيام والأسابيع الأولى من الأزمة، بعدما كشفت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، في 7 أغسطس 2020، أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز اقترح على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غزو قطر، وهو ما واجه رفضاً شديداً من الأخير.

وتقول المجلة، إن الملك سلمان اقترح على ترامب غزو قطر، في اتصال هاتفي بينهما يوم 6 يونيو 2017، أي بعد يوم واحد فقط من فرض السعودية والإمارات والبحرين ومصر الحصار على قطر إثر حملة افتراءات واسعة.

وذكرت “فورين بوليسي”، في تقرير نشرته الخميس، كذلك، أن الولايات المتحدة طلبت بعد فترة قصيرة، من الكويت القيام بوساطة لحل الأزمة.

س

وفي مايو 2019، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن الجيش السعودي أعدَّ في عام 2017 خطة لغزو دولة قطر.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وسعوديين وقطريين أن الخطة السعودية كانت تتضمن الاستيلاء على حقل الشمال للغاز الطبيعي، الأكبر من نوعه في العالم، بعد اجتياح قطر عسكرياً.

وأكدت “وول ستريت جورنال”، نقلاً عن مصادرها، أن المسؤولين الأمريكيين أقنعوا الرياض بأن غزو قطر سيشكل خرقاً سافراً للنظام الدولي، مضيفة: “ذلك دفع السعودية وحلفاءها إلى شن حصار اقتصادي على قطر، بعدما اتضحت صعوبة الإقدام على خطوة الاجتياح العسكري”.

وبحسب الصحيفة، فإن وليَّي العهد السعودي محمد بن سلمان واﻹماراتي محمد بن زايد، كانا قد أعدّا خطة الغزو، وتضمنت عبور قواتٍ برية سعودية الحدود البرية إلى قطر، ثم التقدم نحو 70 ميلاً باتجاه الدوحة، بدعمٍ عسكري من الإمارات، وبعد الالتفاف حول القاعدة الجوية الأمريكية، تسيطر القوات السعودية على العاصمة.

قطر: مقترح صادم

وانتظرت الدوحة يوماً كاملاً لانتظار نفي أو رد من السعودية، قبل أن تعلن عن صدمتها مما كشفته المجلة الأمريكية.

وكتب مدير المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية القطرية، أحمد بن سعيد الرميحي، في سلسلة تغريدات على حسابه بموقع “تويتر”، في 8 أغسطس 2020: “من المؤسف أن يكون الخيار العسكري مطروحاً أمام دول من منظومة مجلس التعاون الخليجي تجاه دولة عضو في هذه المنظومة التي قامت أصلاً على الأمن الجماعي، وعلى أن يكون هناك تحالف ما بين هذه الدول”.

وأضاف: “أكدنا منذ البداية أن التهم التي حاولت إلصاقها بنا دول الحصار ما هي إلا لخلق مبررات لتحقيق أهداف أخرى أكبر تُغامر بمستقبل المنطقة وشعوبها”.

وتابع: “الخيار العسكري الذي كشفت عنه المجلة الأمريكية يعزز ما قاله أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في سبتمبر 2017″، مضيفاً: “عدم نفي المملكة العربية السعودية حتى الآن لما كشفت عنه المجلة الأمريكية يشير إلى حقيقة ما حدث، وهو أمر في غاية الخطورة على أمن واستقرار المنطقة”.

وشدد على أن “الخيار العسكري الذي كان مطروحاً أمام دول الحصار يخالف القانون الدولي، والمواثيق كافةً التي قبِلنا بها كدول في هيئة الأمم المتحدة لحل الخلافات بالطرق السلمية، كما يعبر بوضوح عن سياسة مغامِرة غير مسؤولية شبيهة بالتي قادت المنطقة إلى حالة عدم الاستقرار مطلع تسعينيات القرن الماضي”.

سلمان وأمير قطر

السخط الأمريكي

يؤكد الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر، أن الكشف عن هذه المعلومات في هذا الوقت، “يدل على مدى سخط إدارة ترامب على الرياض وأبوظبي، بسبب تجاوزهما محاولات واشنطن رأب الصدع”.

وأشار الأنصاري إلى أن ما أغضب واشنطن مؤخراً، هو إفشال الرياض وأبوظبي المبادرة الأخيرة التي كانت تهدف إلى تجنيب قطر الاضطرار إلى استخدام المجال الجوي الإيراني، موضحاً: “هذا الأمر تعتبره واشنطن يؤثر على سياستها في الضغط وفرض العقوبات القصوى على طهران، ولذلك في مثل هذا التوقيت هدف الإدارة الأمريكية هو زيادة الضغط على السعودية”.

وأكد في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن الدوحة تؤكد ما ذكرته “فورين بوليسي”، من أن الملك سلمان هو من يقود هذه الأزمة، مضيفاً: “نقول منذ بداية الأزمة، إن هناك اتفاقاً كاملاً بين الرياض وأبوظبي على هذه المسألة، وإن الملك بنفسه يقود هذه الجهود، وإن كان أقل قدرة على ممارسة دوره، ولكنه حامل الذهن فيما يتعلق بالعداء تجاه قطر”.

ي

وعن أسباب فشل الغزو العسكري يقول الأنصاري: “لا شك في أن العلاقة القطرية الأمريكية، والقطرية التركية، والحضور القطري القوي في إطار التحالفات الدولية المختلفة، جعلا فكرة الغزو غير مقبولة ليس من واشنطن فقط، وإنما من جميع شركاء قطر الدوليين، وهو ما جعل هذه الفكرة مجرد تصوُّر لدى الرياض وأبوظبي، وليس موقفاً حقيقياً يمكن الحصول على دعم له دولياً”.

ولفت إلى أن قطر “كانت حريصة منذ اليوم الأول على وضع خط أحمر أمام أي محاولة للعبث بالمنطقة عسكرياً، وكان ذلك واضحاً من خلال التجهيزات والقوات العسكرية من قبل 2017”.

وأشار إلى أنه منذ أزمة السفراء عام 2014، “كان هناك مشروع لتطوير القوات القطرية وزيادة عدد اتفاقيات التعاون العسكري، خصوصاً مع حليف قوي مثل تركيا واستضافة القوات التركية في قطر، وتأكيد العلاقات العسكرية مع واشنطن وحلفاء الناتو وآخرين”.

تحالفات قطر ووقف الغزو

ويتماشى ما قالته المجلة الأمريكية مع ما كشفه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في البيت الأبيض بتاريخ 7 سبتمبر 2017، عن نجاح الوساطة الكويتية في وقف التدخل العسكري في قطر، وقال حينها: “الأزمة في الخليج معقدة، لكن الأهم أننا نجحنا في وقف أي عمل عسكري”.

ونوهت “فورين بوليسي” بالدور التركي بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان والمتمثل في الوقوف إلى جانب قطر ورفض الحصار المفروض عليها، فضلاً عن تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك التي وقَّعها البلدان عام 2014 والتي تم بموجبها إرسال قوات عسكرية إلى القاعدة التركية في قطر.

ص

وسارع البرلمان التركي عقب اندلاع الأزمة، إلى إقرار قانون يسمح بنشر جنود أتراك في قاعدة الريان العسكرية التركية في قطر، ووافق الرئيس التركي على القانون، لتبدأ أنقرة خطوات فعلية بنشر قواتها هناك والتي تقدَّر بـ5 آلاف عنصر.

وكانت الأزمة فرصة للتقارب العسكري والاقتصادي، فقد قدمت تركيا موقفاً متقدماً بخصوص أزمة قطع العلاقات مع دولة قطر، بموافقة برلمانها على نشر مزيد من القوات التركية على الأراضي القطرية.

كما أشارت “فورين بوليسي” إلى الدعم الذي قدَّمته إيران لدولة قطر من خلال فتح المجال الجوي أمام الطيران القطري، وإمداد السوق المحلي بالسلع والمنتجات الضرورية خلال المراحل الأولى من الحصار.

غزو على بلدين

بدوره استبعد الكاتب والمحلل السياسي فراس أوغلو، مسألة الحديث عن غزو قطر إثر اندلاع الأزمة، مرجعاً ذلك إلى أنه “ليس من السهولة في هذا العصر أن تدخل دولة على دولة أخرى وتحتلها، خصوصاً في ظل وجود كثير من الأمور والتعقيدات الإقليمية، إضافة إلى التعقيدات الدولية التي لن تسمح بذلك”.

ويقول أوغلو لـ”الخليج أونلاين”: “بوجود القاعدة العسكرية التركية في الدوحة لم يكن من السهل أن يحدث الغزو، فهناك تحالف عسكري سيتصادم مع أي قوة غازية ويعتبر حرباً كاملة على دولتين متحالفتين، لذلك مرة أخرى أعتقد أنه كان من الصعب حدوثه”.

ص

وأضاف: “تركيا لم ولن تترك حليفتها قطر، وهذا أمر ثابت في هذه الأزمة، إضافة إلى وجود توازنات إقليمية لا يمكن التخلي عنها”، مشيراً إلى أن السعودية لم يغب عنها أن “المشهد العراقي في غزو الكويت كان خير دليل على عواقب الغزو، فكيف كان أن تقوم السعودية بمثل هذا الأمر؟”.

كما أشار إلى المشهد الإقليمي، قائلاً إنه في حال حدث ذلك الغزو “فإن إيران ستستغل هذه الفرصة وكانت ستغزو الخليج أيضاً”.

وفيما يتعلق بالتحالفات التركية القطرية، يرى أن الأزمة الخليجية أسهمت في توثيقها وتوطيدها وتعزيزها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، مضيفاً: إن “الدولتين تحتاج إحداهما للأخرى، فمثلاً قطر تحتاج تركيا في التطور التكنولوجي والقوة العسكرية الهائلة لتركيا وما شابه ذلك”، مؤكداً أن هناك أموراً كثيرة أسهمت في توطيد تلك العلاقات مثل الأزمتين السورية والليبية.

الخليج اونلاين

اترك تعليق

قم باضافة تعليق
الرجاء ادخال اسمك هنا