مع تزايد عدد المصابين بفيروس كورونا يومياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن التحدي الداخلي الآخر الذي جعل الأمور أكثر صعوبةً على السياسيين الصهاينة، هو إصرار نتنياهو على البقاء في السلطة.
يحمل بنيامين نتنياهو الرقم القياسي لأطول فترة رئاسية في حکومات الکيان الصهيوني، وتجاوزت ولايته فترة رئاسة “بن غوريون” الذي کان أول رئيس للوزراء، وهو الآن أطول رئيس وزراء في تاريخ هذا الکيان مع بقائه أكثر من 14 عامًا في هذا المنصب.
لكن نتنياهو لديه رقم قياسي آخر، وهو أنه أول رئيس وزراء إسرائيلي يُحاكَم في المحكمة في نفس الوقت الذي لا يزال يمارس فيه السلطة.
لم تتم إدانة نتنياهو بعد، وهو يحاكَم رسميًا منذ العام الماضي بتهم فساد تتعلق بالتواصل مع شركة إعلانية، بالإضافة إلى بعض المدفوعات خارج التنظيم الحکومي. في الوقت نفسه، على الرغم من إدانة رؤساء الوزراء السابقين للکيان الصهيوني، بمن فيهم إيهود أولمرت، لفترة طويلة، ولکن هذه هي المرة الأولى التي يُحاكَم فيها رئيس وزراء في المحكمة أثناء وجوده في السلطة، ومن هذا المنظور يحطم نتنياهو الرقم القياسي أيضًا.
لكن نتنياهو لا يبدو أنه يتطلع إلى الانفصال عن السلطة، وقد أدت هذه الرغبة والجشع في السلطة الآن إلى تحدٍ كبير للصهاينة.
احتجاجات واسعة النطاق ضد نتنياهو
كانت هناك احتجاجات واسعة النطاق ضد نتنياهو أمام مقر إقامته وعائلته خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث طالب المتظاهرون باستقالة رئيس الوزراء المثير للجدل.
لكن الاحتجاجات ضد نتنياهو لم تقتصر على فلسطين المحتلة، بل کانت مدن مثل سان فرانسيسكو ونيويورك وواشنطن، وكذلك لندن في بريطانيا وبرلين في ألمانيا، مسرحاً لاحتجاجات ضد نتنياهو، وكلها تطالب باستقالته ومحاكمته.
ولدى المتظاهرين هدف واحد مشترك، وهو الإطاحة بنتنياهو من السلطة، لكن يبدو أن نتنياهو ليس لديه قرار بتسليم السلطة.
مخادعة نتنياهو للمنافسين
حكومة الكيان الصهيوني حالياً هي ائتلاف من كتلتين سياسيتين، هما حزب الليكود بزعامة نتنياهو وائتلاف “أزرق أبيض” بزعامة بيني غانتس.
كان نتنياهو وغانتس خصمين سياسيين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الأراضي المحتلة، ولكن نظرًا لأن أياً منهما لم يفز بالأغلبية المطلقة في الانتخابات النهائية، فقد انضم كلا الخصمين في النهاية إلى الائتلاف بعد الكثير من الجدل لتشكيل مجلس الوزراء، حتى لا يضطروا لإعادة الانتخابات للمرة الرابعة على التوالي في أقل من عام.
ووفقاً لذلك، تقرر أن يبقى نتنياهو في السلطة في السنة الأولى كرئيس للوزراء، ثم يحل محله غانتس في العام التالي، لتستمر بهذه الطريقة السلطة بين رئيسي الوزراء بالتناوب.
ولكن يبدو الآن أن نتنياهو ينوي الإخلال بهذا الائتلاف ولا يرغب في تسليم السلطة لمنافسه بعد عام. ومن جملة ذلك، اقترح على غانتس أن يقبل الترشح لمنصب الرئاسة والتخلي عن منصب رئيس الوزراء.
ولكن بما أن منصب الرئاسة في الکيان الصهيوني هو منصب فخري دون سلطات تنفيذية سياسية، فقد أعرب غانتس عن انزعاجه واتهم نتنياهو بنقض العهود.
من ناحية أخرى، مع معارضة غانتس لنتنياهو، يحاول نتنياهو أو “بيبي” حل البرلمان والانتقال إلى انتخابات مبكرة وتشكيل حكومة جديدة، من خلال عدم تقديم الميزانية للكنيست.
ربما ظن نتنياهو أنه إذا لم تتم الموافقة على الميزانية ثم حل البرلمان وعقد انتخابات مبكرة، فسيتمكن من إبعاد غانتس عن السلطة ومواصلة رئاسته الطويلة بارتياح.
لماذا يسعى نتنياهو للبقاء في السلطة؟
رغبة نتنياهو القوية في البقاء في السلطة، بالإضافة إلى مذاق السلطة العذب، ترجع إلى حد كبير إلى قلقه من إدانته في المحكمة وانتهاء حياته السياسية.
کما يشعر نتنياهو بالقلق من أنه إذا فقد السلطة كرئيس للوزراء، فستتم إدانته قريباً في محكمة تملك أدلةً كافيةً ضده، وإجباره على الاعتراف بموته السياسي.
ولذلك، يكافح نتنياهو لمقاومة فقدان السلطة، والاحتفاظ بها بأي طريقة ممكنة.
المستقبل الغامض للجو السياسي الصهيوني
مع إصرار نتنياهو على البقاء في السلطة من خلال حل البرلمان وإجراء الجولة الرابعة على التوالي من الانتخابات البرلمانية في أقل من عامين، سيصل الکيان الصهيوني عمليًا إلى طريق مسدود.
وكما کان الحال في الجولات الثلاث الأخيرة، حيث لم تتمكن نتائج الانتخابات من تحديد الأغلبية المطلقة والمنتصرة، ففي هذه الظروف، من المحتمل جدًا ألّا تتمّكن هذه الانتخابات من تحديد فائز مطلق مرةً أخرى، وفي هذه الحالة من المرجّح جدّاً أن تتشكّل من جديد حكومة ائتلافية بعد الانتخابات الرابعة المحتملة في الکيان الصهيوني.
لكن القضية الأخرى هي أنه إذا كسر نتنياهو الائتلاف الحالي مع منافسيه، فمن غير المحتمل أن يتمّ تشكيل حكومة ائتلافية معه في الفترة المقبلة، ومن الصعب أن نتخيّل أنّ الأحزاب السياسية الأخرى في الکيان الصهيوني ستكون مستعدةً للتحالف معه في الحكومة.
وفي هذه الحالة، سيكون مستقبل الأجواء السياسية للکيان الصهيوني أكثر غموضاً من أي وقت مضى، ويمكن أن تؤدي هذه الظروف إلى إضعاف هذا الکيان بشكل أكبر.
الوقت تحليلي واخباري