ماجد الشويلي
لفتني أن سماحة السيد الحكيم ، قد اعتبر وصول السيد الكاظمي لسدة الحكم فرصة تأريخية لبناء الدولة .
ولست ادري أهو تعويل على عبقرية السيد رئيس الوزراء، أم على الظروف والمعطيات التي انبثقت منها هذه الحكومة.
أو على توجهاتها حيال الملفات الساخنة اقليميا ومحلياً ؟
فمن المعلوم للقاصي والداني أن حكومة الكاظمي لم تنبثق عن سياق قانوني دستوري رصين، ولم يرسم لها دور استثنائي يجعل منها محط آمال العراقيين في بناء (الدولة العصرية العادلة )
فلا يستقيم عقلا ان حكومة مؤقتة بمهام محددة تتمكن على الاتيان بما لم تأت به الحكومات السابقة مجتمعة .
ثمة فهم واحد يمكن له ان يكشف لنا عن مراد السيد الحكيم من قوله (فرصة تاريخية) هو انه كان يعول على تأثيره الشخصي فيها من جهة ، ومن جهة أخرى على الحراك الشعبي المطلبي ، بما صاحبه من خروقات قانونية واعتداء على الممتلكات العامة وغيرها من اعمال الشغب .
فقد صرح بذلك الاستاذ نوفل ابو رغيف حين ذكر في برنامج متلفز ان (تيار الحكمة كان حاضرا في ساحات التظاهر منذ اليوم الاول وكان هناك لقاء مستمر للسيد الحكيم بالمتظاهرين كل ليلة)
فالسيد الحكيم يعتقد أن هذا الحراك؛ هو الذي ارغم القوى الشيعية بشكل وآخر على التنازل عن استحقاقاتها الدستورية، فعمدت للاتيان برئيس حكومة خلافاً للمعايير المعتمدة دستورياً.
لكن من جهة السيد الحكيم فانه يرى في ذلك بان رؤيته للدولة العراقية باتت تؤتي أُكلها بعد تنصيب السيد الكاظمي.
كما استوقفني توصيف السيد للمرحلة الراهنة بأنها صراع (الدولة واللادولة)
ولا اتصور بان السيد الحكيم يخفى عليه أن الصراع غير النزاع ، الصراع الذي يعني بان الكباش لابد ان ينتهي بهلاك واضمحلال احد الطرفين ، فمن طرفي الصراع هنا؟
وأي منهم يريد الدولة ، ومن منهم لايريدها. وهل هناك معيار مشخص للتفريق بين الطرفين؟
ام هو مجرد اسقاطات ذهنية لسماحة السيد اراد ان يضفيها على المشهد السياسي.؟
ثم أن السيد لم يبين لنا دور الفواعل الخارجية وايهما مع الدولة ومن هو مع اللادولة ؟
وفي سياق حديثه زعم السيد الحكيم أن هذه المرحلة ستكون نقطة الحسم في هذا الصراع ( الدولة واللادولة)
وهو امر مستغرب للغاية ، ولايمكن لنا ان نعده تكهنا، فمثل السيد الحكيم وبموقعيته السياسية لايمكن له ان يطلق مثل هذه التصريحات، دون ان يكون مستندا لمعطيات خاصة .
فما هي هذه المعطيات ؟
وهل هي قدرات استثنائية للكاظمي ؟
ًأم أن المقصود هو اما بقاء الامريكان او خروجهم ؟
فالامريكان يصرون على البقاء، والقوى السياسية التي صوتت على خروجهم ، والحشد وفصائل المقاومة يصرون على جلائهم ، وهذا القرار لارجعة فيه.
فمن من هذين الامرين مع الدولة ومن مع اللادولة؟
إذ لايمكن لمثل سماحة السيد الحكم ، أن يتغاضى عن معطى خطير وحساس لهذه الدرجة ، دون ان يضعه في الحسبان، فيحدد ان المرحلة الراهنة هي مرحلة الحسم بين الدولة واللادولة .
تطرق سماحة السيد الحكيم للمشروع السياسي لشهيد المحراب(رض)
وذكر أن من جملة مواقفه المميزة ، انه رفض الحاكم العسكري بوصفه تعطيل لدولة المؤسسات ، فلماذا لايضع السيد جلاء الاحتلال في صدارة اوليات بناء الدولة ؛ ويعد الولايات المتحدة ويشير اليها بوضوح ، على انها المعرقل الاول لبناء دولة المؤسسات؟
ثم تكلم سماحته عن مبدأ المساواة الاجتماعية ، عاد ثانية ليناقض هذا الطرح ويدعو لدولة العدالة ، وسماحة السيد خير من يعلم أن العدالة غير المساواة.
الا أن يكون المقصود من المساواة هنا هو الغاء حق الشيعة في الحكم بوصفه استحقاق ديمقراطي كونهم الاغلبية .
ورغم أن العدالة في هذا المضمار متحققه الى حد بعيد ، فالشيعة لم يصادروا حق الاخرين بالحكم، واشركوهم فيه الى حد المساوة . حتى عِيبَ عليهم حكم المحاصصة الذي امتد الى ضرورة احراز التوازن في ادق حيثيات شؤون الدولة.
وليت سماحة السيد قد بين لنا سنخية وماهية هذه المساواة ، هل هي بين افراد الشعب ام بين مكوناته ؟
وهل هناك اكبر مساواة من المساواة بين الضحية والجلاد في العراق، الى درجة توقير الجلاد واذلال الضحية.
كما حصل بموضوع رواتب السجناء والشهداء والابقاء على رواتب الاجهزة القمعية.
وهل ثمة تمييز بين المكونات حتى ان الجميع بات ينتقد المحاصصة ، ولم يستأثر الشيعة بالرئاسات ولا الهيئات ولاغير ذلك من المناصب ابدا.
أم أن المقصود بالمساواة هو تنازل الشيعة عن استحقاقهم الدستوري والديمقراطي ويتم الغاء مبدأ حكم الاغلبية في البلاد،
وبصراحة يمكن لنا ان نشم قُتار طبخة السيد هذه.
لقد تعرض المقال لذكر الوعي المشوه وقرنه بالمشاريع الانتخابية حينما كانت تقوم على اساس النبرة القومية والطائفية . ولست ادري هل بامكان السيد الحكيم ان يمنع الكورد من الحديث عن استحقاقاتهم القومية؛ ليكون هناك وعي وطني شامل . يمنع الجميع من الحديث تحت سقف آخر غير سقف الوطن، أم ان هذه مجردامنيات نرجسية؟
ومن اغرب ماجاء في المقال ان سماحة السيد الحكيم ذكر بان العراق هو البلد الوحيد الذي يمكن ان تنتهي فيه خلافات دولة المنطقة .
فمن جهة انه يشر الى العامل الخارجي بمنع استقرار العراق ، ومن جهة اخرى قد تغاضى عما يجري في سوريا واليمن وليبيا وفلسطين وغيرها…
فان كان يقصد بان العراق يحمل مقومات فرض ارادة الدولة خلافا لغيره من دول المنطقة ، فاننا نقول ان فرض ارادة الدولة يكون على النحو الذي اعتمدته سوريا واليمن تلك الدول التي تعرضت لظروف مماثلة لظروفنا ، (وليس المقصود هنا الحرب وانما ارادة الصمود والعزة)
ان العراق الرسمي هو البلد الوحيد الذي ساوى بين الصديق والعدو(ايران وامريكا) ، ووضعهم على قدم المساواة،
ان العراق الرسمي هو الدولة الوحيدة التي تبحث للاحتلال عن مسوغات البقاء على ارضه!!
وهذه من عجائب الامور
يخطئ من يظن ان العراق وحده ميدان للصراع بين قوى الاستكبار المتمثل بامريكا ومعسكرها من جهة ، ودول المنطقة وشعوبها من جهة اخرى.
فمن يفترش خارطة المنطقة يجد عبث الايادي الاثمة للصهاينة والامريكان في كل بقعة من بقاعها.
ثم ها نحن قد رأينا الموقف الرسمي الايراني كيف صرح للعلن بانه لن يتدخل في شؤون تشكيل الحكومة وليس له موطئ قدم في العراق ، فهل بامكان امريكا فعل ذلك وتجلي كل قواتها وترفع يدها عن الشأن العراقي دون مقاومة؟
قطعا لن يحصل هذا ولو غفونا باحلامنا الوردية الف عام
لقد تكلم السيد عن المصالح الحزبية وهذا الامر ينسحب على تيار الحكمة بكل قوة ولاتوجد استثناءات فيه ابدا.
ومن اللافت ان السيد الحكيم قد رهن تحقيق الدولة بحصر السلاح بيد الدولة؛
والمقصود هنا هو سلاح المقاومة، ورغم ان القوانين الدولية تشرعن بقاء السلاح بيد المقاومين الذين تتعرض بلادهم للغزو والاحتلال ، لازال البعض يصر على نزع هذا السلاح ، وكان الاولى والاجدر هو نزع مسوغاته وهو (الاحتلال)
علما ان هذا السلاح قد ابدى اعلى مستويات الانضباط خلال الاحداث الاخيرة التي عصفت بالبلد
فيا سيدنا الكريم وانت ابن المرجعية والحوزات الدينية وتعلم اكثر من غيرك بان ((التخلية قبل التحلية))
فما لم يخلُ العراق من الاحتلال لن نستمرئ سيادته مطلقا.