زهير أندراوس
قالت دراسة إسرائيليّة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ، التابع لجامعة تل أبيب، قالت إنّ قدرة حزب الله على القيام بهجوم بري مفاجئ في أراضي إسرائيل تزيد كثيرًا من الضغط على قادة إسرائيل لاتخاذ قرار بهجوم استباقي، لافتةً إلى أنّه في ضوء الخطر الذي تشكله قوات الـ”رضوان” على المستوطنات القريبة من حدود إسرائيل، وعدم وجود عمق بين التهديد وأهدافه، تزداد أهمية الاعتبارات التي تضغط نحو قرار مسبق بمهاجمة التهديد قبل تحققه، على حدّ تعبيرها. وأشارت الدراسة إلى أنّ قوات الرضوان، هي قوات راجلة نوعية منتشرة بالقرب من الخط الأزرق، ومتغلغلة في القرى والبيئة المدنية، تسمح لحزب الله بالقيام بعملية سريعة داخل أراضي إسرائيل بأساليب متنوعة.
ولفتت الدراسة إلى أنّه مقارنة بإطلاق صواريخ متفرقة من العمق، فإنّ هجمات موضعية من مدى قريب، مثل عبوات ناسفة وقنص، وفي الأساس إطلاق صواريخ مضادة للمدرعات، هي الأكثر فتكًا في الأيام العادية، ولهذا أيضًا، تنطوي على الاحتمال الأكبر للتسبب بتصعيد، في ضوء الصلة المباشرة بين الخسائر وحجم رد الجيش وفتكه، وبينها وبين درجات التصعيد من جهة العدوّ في الرد على الرد. علاوة على ذلك، مقارنة بالعمليات في العمق التي تجري بسيطرة شديدة من قبل مستويات رفيعة، فإن السيطرة على الرد العملاني على خط التماس ضعيفة وأكثر توزعًا، وتصل إلى مستوى الجندي الفرد.
وأوضحت الدراسة أنّ ديناميكيّة التصعيد معروفة من خلال تجربة حرب لبنان الثانية، وأيضًا من خلال الأحداث التي وقعت في قطاع غزة قبيل عملية “الجرف الصامد” (2014): على الرغم من رغبة الطرفين في الامتناع من مواجهة واسعة، كل طرف يقرر “فقط” عملية/هجوم أوْ رد محدود، لكنه فعليًا ينتقل إلى مرحلة أُخرى في سلم التصعيد، يتضح لاحقاً أنها أدت إلى حرب.
وبالإضافة إلى مخاطر مصدرها تكتيكي، تابعت الدراسة، يزيد انتشار حزب الله على خط التماس من فرص التصعيد والحرب أيضًا على المستوى الاستراتيجي. في ضوء احتمال التصعيد، يكون المطلوب الحسم بين هجوم استباقي مع ميزاته العسكرية وبين تأجيله لاستنفاد الفرص لمنع التصعيد، أو لاعتبارات سياسية، ومن المحتمل أنْ يقف قادة إسرائيل أمام مفترق قرار مشابه: الامتناع من عملية استباقية أو تصعيدية رغبة في العودة إلى الهدوء، أو بدلاً من ذلك، وعلى افتراض أن تصعيدًا مؤكدًا سيحدث، توجيه ضربة استباقية إلى حزب الله واستنفاد ميزة المبادرة والمفاجأة، طبقًا للدراسة.
ولفتت إلى أنّ انتشار حزب الله بالقرب من خط الحدود، والمتزايد مع مرور الزمن، ينطوي على أخطار جسيمة، سواء لتصعيد أو خلال القتال إذا نشبت الحرب، وبالتالي فإنّ المطلوب من سياسة إسرائيل “معركة بين الحروب” الجمع بين الاستعداد لحرب محتملة وعرقلة تعاظم قوة الخصم وإبطائها، وبين تقليل التهديدات على إسرائيل إذا نشبت، لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك تكريس جهود كبيرة لمنعها.
وشدّدّت الدراسة على أنّه في موازاة الجهود المبذولة ضد مشروع الصواريخ الدقيقة، يتعيّن على إسرائيل العمل على تخفيف التهديد القريب من الحدود الشمالية، مُضيفةً أنّه على المستوى العملاني، على إسرائيل أنْ توثق وتكشف بالتفصيل الانتشار والعمليات العسكرية لحزب الله بالقرب من الخط الأزرق، واستخدام هذا الكشف للضغط على الحزب، وعلى نشطائه، وعلى الذين يقدمون له الحماية، سواء في القرى أم في صفوف الجيش اللبناني والحكومة.
علاوة على ذلك، يجب العمل مع المجتمع الدولي، وخصوصًا مع الولايات المتحدة ودول أوروبية، على اتخاذ موقفٍ مشابه لموقف إسرائيل، وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى ألمانيا التي صنفت مؤخرًا حزب الله بكل أجنحته كتنظيمٍ إرهابيٍّ، في مقابل فرنسا التي تصر على الامتناع من ذلك، وذلك من أجل اشتراط تقديم مساعدة اقتصادية وعسكرية للبنان بالترتيبات الأمنية على طول الخط الأزرق، لافتةً إلى أنّ الأزمة الاقتصادية العميقة في لبنان تزيد من حاجة حكومة بيروت وحزب الله إلى مساعدة دولية، وتزيد من ضغط المجتمع الدولي للمطالبة بواسطتها، وبناء على قرار مجلس الأمن، باتخاذ خطوات تبعد الحرب.
في المقابل، يجب السعي لتصنيف أصحاب مناصب في الحكومة اللبنانية، وفي الجيش، وفي أجهزة الأمن، وفي السلطات المحلية كمؤيدين للإرهاب وفرض عقوبات عليهم ما داموا يساهمون في استمرار النشاط العسكريّ الممنوع لحزب الله على طول الخط الأزرق.
واختتمت الدراسة قائلةً إنّ سلوك إسرائيل إزاء “حماس” في السنوات الأخيرة يثبت أنّه بالإمكان التوصل إلى تفاهمات وترتيبات أمنية في مقابل مساعدة اقتصادية حتى مع تنظيم عدوّ شرس، وبينما ثمن الحرب في لبنان أكبر بكثير من ثمن الحرب في قطاع غزة، يجب إيجاد وسائل مشابهة أيضًا إزاء حزب الله، وبقوةٍ أكبر، كما أكّدت الدراسة.
رأي اليوم