مليار دولار استثمرتها فيها واشنطن- جيتي FP: حان وقت تغيير العلاقة الخاصة بين أمريكا و”إسرائيل”

887

المصدر : باسل درويش

طرح الكاتب ستيف إيه كوك في مقال نشره بمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، تساؤلا حول كيفية إنهاء العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”، داعيا إلى إنهاء ما أسمه “تحالف واشنطن الأغرب على الإطلاق”.

ويرى الكاتب أن موقف الولايات المتحدة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بحاجة إلى مقاربة جديدة، تقر بأنه لم يعد هناك حل دولتين أو أي حل لهذا الصراع، مقاربة  تعامل بها إسرائيل كما تعامل غيرها من البلدان.

وقال: “لم يعد كل الكلام عن الصراع في واشنطن (وكذا في أوروبا) يجدي نفعاً، وكل ما يفضي إليه هو تأجيل مواجهة الحقيقة”.

وينتقد ما ينفقه السياسيون والمحللون من وقف وجهد في حل للصراع، ويعدد نقاطا تعرقل الوصول إلى سلام حقيقي حتى لو أبدى الطرفان (الإسرائيلي والفلسطيني) ذلك.
ومن هذه النقاط التي تبين مأزق السياسيين الساعين لحل الدولتين، أولاً: إن إسرائيل لن تستطيع توفير الحد الأدنى من متطلبات الفلسطينيين من أجل السلام. وثانيا: أن الفلسطينيين لا يستطيعون توفير متطلبات إسرائيل من أجل السلام. وثالثاً: أن الولايات المتحدة لا تملك الموارد ولا الإرادة السياسية لتغيير اهتمامات ومصالح لا الفلسطينيين ولا إسرائيل.

وبناء عليه يطرح الكاتب تساؤلا “هل هذا المأزق يهم كثيراً الولايات المتحدة”، ويوضح “عبر العقود السبعة الماضية، كانت لدى الولايات المتحدة مصالح أساسية متعددة داخل الشرق الأوسط: التدفق السلس لموارد الطاقة، والمساعدة في ضمان أمن إسرائيل، والهيمنة الأمريكية حتى لا يتسنى لأي دولة أو أي مجموعة من الدول تهديد المصلحتين الأخريين”.
ويضاف لذلك أهداف “مكافحة الإرهاب” و”عدم انتشار التسلح”، وهما متصلين بالمصالح السابقة، على الأقل حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

ويقول: “لطالما اعتقد صناع السياسة في الولايات المتحدة بأن حل الدولتين هو السبيل الأفضل لضمان أمن إسرائيل، وكثيراً ما وضع رؤساء أمريكا من بيل كلينتون إلى باراك أوباما وحتى إلى دونالد ترامب نفسه نصب أعينهم تحقيق ذلك الهدف”.

إلا أن الحقيقة التي قلما يتم الإقرار بها بشأن “مأزق حل الدولتين”، وربما كانت السبب في أن واشنطن لم تستجمع إرادتها السياسية للتغلب عليه، هو أنه ساعد الولايات المتحدة على تحقيق واحد من مصالحها الأساسية في المنطقة، ألا وهو “المساعدة في ضمان أمن إسرائيل”.

ويتطرق الكاتب إلى مواقف الأمريكيين بما فيهم المسؤولين والمحللين من ضم “إسرائيل” لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة، بين من يرى أنه سيضر بأمن إسرائيل أو سيكون سببا في امتعاض الأمريكيين، ويتساءل “ماذا الذي على الولايات المتحدة فعله إزاء ذلك؟”.

ربما ستجد فئة من الناس يرغبون في أن تعاقب إسرائيل، وستجد آخرين يرغبون في نزع أيديهم من الموضوع ولكن في نفس الوقت يريدون تجنيب إسرائيل الخزي، ثم يمضون من بعد ذلك كل في شأنه كالمعتاد (وهو الأرجح) وفقا للكاتب.

لكنه يرى أن نجاح إسرائيل في الضم “يوفر فرصة لتغيير شروط العلاقة الثنائية بطرق من شأنها أن تحرر واشنطن من مهمة العمل على إحلال السلام”.

ويبرهن على ذلك بذكر أن إسرائيل تعتبر بلداً متقدماً ولديها اقتصاد يتكامل بشكل جيد مع بقية العالم، وخاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات. ويكاد ناتجها المحلي الإجمالي لكل نسمة ينافس نظيره في بريطانيا وفي فرنسا.
ومن الناحية الأمنية، لدى إسرائيل جيش يفوق في قدراته وتجهيزاته كل ما يتوفر لدى جيرانها، وموقفها الاستراتيجي لم يكن في أي وقت مضى أفضل مما هو عليه الآن.
بالمقابل، نجد أن العراق وسوريا كلاهما في حالة يرثى لها، وحزب الله غارق في مستنقع الصراع السوري بينما يتهاوى لبنان من حوله.
وأما المصريون فيعتمدون على إسرائيل لإسناد عمليتهم الأمنية في شبه جزيرة سيناء.
ومع أن الأردن حذر من عواقب الضم وتداعيات ذلك على العلاقات الثنائية، إلا أن الملك عبدالله هو الآخر في موقف عسير إذا ما أخذنا بالاعتبار كم هي مهمة إسرائيل بالنسبة لاستقرار الأردن.

ويتابع: “بالطبع مازالت إيران مصدر تهديد، ولكن قوات الدفاع الإسرائيلي أثبتت قدرتها على ردع الإيرانيين والقوى المتحالفة معهم، وخاصة في سوريا وكذلك في العراق. سوف تظل نشاطات إيران النووية مصدر تحد رئيسي لأمن إسرائيل، ويحتاج الإسرائيليون إلى اليقظة باستمرار لكي يتمكنوا من مواجهة هذه المشكلة لوحدهم وبالشراكة مع بلدان أخرى، وبشكل خاص مع الولايات المتحدة”.

ويستطرد “أصبح لإسرائيل علاقات دبلوماسية مع مختلف الدول في أرجاء العالم، بما في ذلك تلك العلاقات الطيبة مع روسيا والصين والهند. وأما في الشرق الأوسط، وبالإضافة إلى معاهدات السلام التي وقعوها مع مصر والأردن، لقد طور الإسرائيليون ارتباطات (وإن لم تكن علاقات دبلوماسية معتادة) مع سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وذلك على الرغم من أن جهودها الهادفة إلى إحكام قبضتها على الضفة الغربية مستمرة ولم تتوقف منذ عقود”.

ويقرر بأن ما سبق هو “إنجاز معتبر”، ومع وضع احتمال انهيار اقتصاد إسرائيل، وزيادة التوترات الأمنية في المنطقة، ولكن حتى مع ذلك، يصعب الآن إثبات أن إسرائيل حليف معزول ومهدد من قبل من يحيطون به.

وإذا ما أخذنا بالاعتبار حقيقة هذه الإنجازات الإسرائيلية وما هي مقبلة عليه من عمليات ضم لأراضي الضفة الغربية، فإنه ينبغي على المسؤولين الأمريكيين إبلاغ الإسرائيليين بأنه آن للعلاقة بين البلدين أن تتغير. فأمن إسرائيل مضمون، والبلد مزدهر اقتصاديا، وتلك بالضبط هي الغاية التي كانت الولايات المتحدة تسعى لتحقيقها.

وعلى الرغم من أن “إسرائيل” والولايات المتحدة استفادتا كلاهما مما يقرب من 142 مليار دولار استثمرتها فيها واشنطن، إلا أنه بات من الصعب إقناع الناس بضرورة الاستمرار في تقديم هذه المساعدة السخية.

وكما فعلت الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن المساعدة الاقتصادية، فقد حان الوقت للاتفاق على جدول زمني لوقف المساعدة العسكرية كذلك. وهذه ليست عقوبة بقدر ما هي اعتراف بأن الولايات المتحدة نجحت في تحقيق هدفها، فالمساعدات ليست استحقاقا، والولايات المتحدة لا ترى أن الضم يخدم مصالح “إسرائيل”، ولذلك فهي لا ترغب في أن تكون مشاركة فيه.
سوف يحاجج النقاد، وفقا للكاتب، بأن العقوبة الفعلية (على شكل قطع استباقي للمساعدة) هو السبيل الأمثل الذي ينبغي أن تنهجه واشنطن. وتنطلق مثل هذه الوصفة السياسية من فرضية أن إسرائيل ما تزال بحاجة إلى المساعدة العسكرية الأمريكية وأن قطعها سوف يكره إسرائيل على الانصياع. إلا أن الدليل لا يدعم أيا من هاتين الفرضيتين.

كما أن في ذلك غض للطرف عن حقيقة أن مقاربتهم المفضلة لن تحظى بكثير من التأييد السياسي، بل ولسوف تتمخض عن عراك سياسي قبيح. أما الاتفاق على جدولة وقف المساعدة فأمامه فرصة لكسب التأييد.
وينبه إلى أن المأساة في كل ذلك هي الاستمرار في تجريد الفلسطينيين من أملاكهم وفي تشريدهم، ولسوف يجعلهم ذلك دون أدنى شك يسخطون على واشنطن لتنصلها من الصراع، ولمساهمتها في الحكم عليهم بأن يعيشوا إلى الأبد تحت هيمنة جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو محشورين في قطع متناثرة أشبه ما تكون بالبانتوستانات.

ويعتبر أن غضب الفلسطينيين سيكون مبررا، حيث أنهم هم أيضا أساءوا قراءة المصالح الأساسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والتي ليس من ضمنها الفلسطينيون، الذين وضعوا ثقتهم في الولايات المتحدة رغم أن كل الأدلة تشير إلى عدم استحقاقها لتلك الثقة.

ويقول: “إن تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل إنما هو إقرار بالنجاح والإخفاق معا. فبينما بات أمن إسرائيل ووجودها مضمونين، إلا أن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين مازال بعيد المنال، وقد لا يتحقق بتاتا”.

ويختم: “على الأقل لن تتحمل الولايات المتحدة من الآن فصاعدا تناقضات وأعباء صنع السلام التي رفعت دون ضرورة مستوى التوقعات بأن واشنطن سوف تسلم الإسرائيليين أو تضغط على الفلسطينيين تحقيقا لأهداف لا يشترك فيها الطرفان. وما ذلك بالأمر الطبيعي”.

اترك تعليق

قم باضافة تعليق
الرجاء ادخال اسمك هنا