الاستاذ كاظم الحاج
مقدمة :-
المادة (117) أولاً من الدستور العراقي تنص على « يقر هذا الدستور، عند نفاذه، إقليم كردستان وسلطاته القائمة، إقليماً اتحادياً»، من هنا بدأت العلاقة مع اقليم كردستان في ظل النظام الاتحادي الحالي الذي تم تبنيه من قبل العراقيين بالتصويت على دستور عام 2005م.
*اسباب المشاكل بين الحكومة الاتحادية والاقليم :-
اولا / خلافات سياسية :- واغلبها اجرائية تتمحور حول كيفية ادارة الدولة والعملية السياسية وفق ما يسميه الاكراد مبدأ الشراكة والتوازن والمبني على الفهم المزدوج لمواد الدستور ومن ضمنها المادة ( 105 ) والتي تنص على « تؤسس هيئةٌ عامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، في المشاركة العادلة في إدارة مؤسسات الدولة الاتحادية المختلفة، والبعثات والزمالات الدراسية، والوفود والمؤتمرات الإقليمية والدولية، وتتكون من ممثلي الحكومة الاتحادية، والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وتنظم بقانون.»، ولذلك نجد ان الخلافات حتى في علاقات العراق الخارجية وطبيعة تمثيل الاكراد وحضور مسؤوليهم في المحافل الدولية حاضرة نتيجة الفهم الخاص للمادة من قبلهم.
ثانيا / خلافات امنية عسكرية :- وتشمل الخلاف على عدد الاجهزة الامنية للإقليم وعدد افرادها وادارتها وقيادتها وصلاحياتها ومصادر التسليح لها ونوعيته ،ومناطق تواجدها والمهام التي ممكن ان توكل اليها وكل الخطوات ذات الطابع العسكري التي هي من اختصاصات القائد العام للقوات المسلحة، واستخدامها كمليشيات لبعض الاحزاب في التصعيد والمواجهة مع القوات الاتحادية ايضا واحدة من اهم النقاط الخلافية بين بغداد واربيل.
ثالثا / الخلافات الاقتصادية :- وهي الاهم وخصوصا في قطاع النفط والغاز على مستوى استخراج وتصدير وتعاقد مع شركات عالمية، وكل ايرادات الاقليم المالية وعدم دفع مستحقات الحكومة الاتحادية المحددة وفق القوانين الاتحادية، فضلا عن كيفية ادارة المنافذ البرية والجوية وواردتها، وكذلك عدم وجود رقابة اتحادية على الحركة المالية للإقليم داخليا وخارجيا.
وفي هذا العنوان تدخل المشكلة المزمنة بين الاقليم وبغداد وهي نسبة الاقليم في الموازنة وعدم التزام الاكراد بدفع ما يعادل حصتهم التي تقرر سنويا بالقانون وهي ( 25000 ) الف برميل، رغم ان القدرة الانتاجية والتصدير له تجاوزت الــ ( 1000,000 ) مليون برميل يوميا.
رابعا / العلاقات الداخلية والخارجية للإقليم :- اقليم كردستان لا يتعامل مع الحكومة الاتحادية على انها تمثل الدولة العراقية وإنما تمثل شخصيات واحزاب ، لذلك هو في كل تعاملاته وتفاهماته تتم مع كتل واحزاب وشخصيات بما يصب في مصلحة الاقليم عموما وبعض الزعامات خصوصا، وكل المعالجات التي تتم لأي مشكلة سابقة او ناشئة لا تتم وفق القوانين العراقية ، وإنما معيارها مصلحة الاكراد اولا والجهة التي يتم التفاهم معها ثانيا، وهنا ايضا تدخل ضمن علاقة الاحزاب الكردية ببعض المجاميع الارهابية كحزب الـــ PKK ، وداعش ، فضلا عن علاقة الاقليم بالقوات الاجنبية الموجودة في شمال العراق وبالتحديد القوات الامريكية.
اما العلاقات الخارجية، فهي عامل رئيسي في كل المشاكل بغض النظر عن نوعيتها، فالإقليم وقياداته له علاقات خارجية مستقلة رغم ان الدستور العراقي في المادة (110): أولاً / ينص على ان « رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وإبرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية» هو من اختصاص السلطات الاتحادية.
برغم ذلك فان الاقليم له علاقات خارجية على مستوى تمثيل دبلوماسي يكاد يكون منفصل ، وكذلك علاقات عسكرية على مستوى التسليح وتخصيص اموال محددة في موازنة البنتاغون لتسليح وتدريب البيشمركة وهذا يشمل بعض دول الاتحاد الاوربي كالمانيا وفرنسا ،فضلا عن علاقات بعض احزاب وقيادات الاقليم بالكيان الاسرائيلي وهذا ماظهر بشكل واضح في ازمة الاستفتاء على الانفصال في عام 2017، وهذه العلاقات استخدم ت كورقة ضغط دائما بالتعامل مع الحكومة الاتحادية والكتل والشخصيات في بغداد وهي سبب رئيسي لاستقواء الاقليم على بغداد والتعالي بالتعامل معها ومع من يتواجد فيها تشريعيا وتنفيذيا.
خامسا / كركوك والمناطق المتجاوز عليها:- حدود اقليم كردستان ايضا احد اهم اسباب الخلاف بين الاكراد والحكومة الاتحادية، فكركوك والمناطق المتجاوز عليها ليس فقط غنية بالنفط والغاز والموارد والمواد المعدنية وانما زيادة مساحة الاقليم مع بقاء حلم الانفصال والتخطيط له مهم جدا بالنسبة للاكراد، لذلك هم يعتبرونها قدسهم التي لابد ان ترجع لهم، ولحين تحقيق ذلك الحلم فان زيادة المساحة يعني زيادة الواردات وكذلك زيادة نسبة الاقليم في الموازنة الاتحادية التي هي اصلا محل خلاف دائم بينهم وبين الحكومات الاتحادية المتعاقبة.
المعالجات / حلول ترقيعية تخفي صفقات دائمية:-
كل هذه المشاكل لم توضع لها حلول جذرية مبنية على المواد الدستورية والقانون العراقي، وانما جميع الحلول التي وضعت وربما التي ستوضع مستقبلا هي ترقيعية وتكون في اوقات مختارة من قبل الاكراد كتشكيل الحكومة او في وقت يكون هناك توجه لأمرار قوانين مهمة ممكن ان تستغل من الاكراد لتحقيق مصالحهم كقانونين الانتخابات والموازنة… وهنا تدخل المصالح الشخصية الحزبية والكتلوية ، التي تعطل اي توجه وطني حقيقي لفرض حلول دائمية على الاكراد بما يضمن العدالة وتطبيق القانون على الجميع بالتساوي، وعندها يلجأ الاكراد بدعم امريكي اصبح علنيا لعقد صفقات مع تلك الشخصيات والاحزاب بصورة ثنائية هدفها ايجاد حل وقتي ( ترقيعي )، يضمن لهم مصالحهم ويمكنهم من شريكهم في الصفقة بحيث لا يستطيع ان يرفع صوته او يعترض عليهم مستقبلا، وللأسف هو هذا واقع الحال.
*من المستفيد من كل ذلك ؟
قطعا ان هكذا علاقة قائمة بين بغداد والاكراد هي تصب في مصلحة اقليم كردستان ، ولكن هذه العلاقة في الاغلب هي تأتي في اطار سيناريو امريكي اسرائيلي خليجي اشمل، ففرض سياسات واجندات محددة من قبل الامريكان بصورة مباشرة فشل في كثير من محطات تطبيق ما تريده امريكا في العراق وخصوصا في الجانب العسكري.
ابقاء العراق ضعيفا بصورة عامة وحكوماته المتعاقبة هدف رئيسي بالنسبة لأمريكا وتوابعها، ولاتوجد اداة افضل من استخدام الاقليم لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، خصوصا انه يحقق اهداف ثانوية مهمة لأمريكا كتفتيت المشهد السياسي من خلال تورط البعض بصفقات مشبوهة مع الاكراد وبالتالي تسهل السيطرة على ذلك البعض لذلك المستفيد من كل ذلك هي امريكا واسرائيل والحكومات الخليجية وادواتهم من المجاميع البعثية والارهابية؛ وكذلك البعض ممن فقد الهوية العراقية وانحرفت بوصلته الفكرية والسياسية باتجاهات شاذة لا تتناسب مع المسميات التي ينتمون اليها والشعارات التي يرفعونها.