الامر الديواني ومصير الحشد الشعبي ..قراءة في الابعاد والتداعيات

1485

لاستاذ كاظم الحاج

مقدمة :-
الامر الديواني ذا الرقم ( 237 ) في الفقرة 1، يتعارض مع قانون هيئة الحشد الشعبي في المادة ( ثانيا/1 ) والتي تنص على ان « يكون الحشد الشعبي تشكيلاً عسكرياً مستقلاً وجزء من القوات المسلحة العراقية ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة « ، كما ان الفقرات 2 و3 و6 و7 ، ليس لها سند في القانون وبالتالي هي تمس جوهرة بل تتجاوز مواده لتفرض عليه فقرات لا يحق لرئيس الوزراء فرضها.
قراءة في ابعاد الامر الديواني رقم 237
محليا :-
اولا / موقف الفصائل المكونة للحشد المشتركة في العملية السياسية :-
المعلوم ان الفصائل التي كانت موجودة قبل الفتوى هي ذات الثقل المؤثر عقائديا وعسكريا في الحشد وبالخصوص ( كتائب حزب الله ، عصائب اهل الحق ، بدر الجناح العسكري )، وموقفهم الموحد كان يحسب له الف حساب عندما يراد ان يتخذ أي توجه من قبل الحكومة او امريكا والكتل السياسية تجاهه.
بدر والعصائب دخلوا المعترك السياسي والانتخابات جاءت بصالحهم بشكل كبير جدا ونتيجة لذلك تغيرت بعض الأولويات والتوجهات بشكل واضح لديهم نتيجة تغليب المصلحة على ما كان يرفع من شعارات مقاومة المحتل ومجاميعه الارهابية، وهما اضافة الى بعض الفصائل الاخرى التي تكونت بعد الفتوى وعند تشريع قانون الحشد الشعبي رقم 40 لسنة 2016 اعلنوا بشكل واضح ان جميع الالوية التابعة لهم اصبحت من ناحية الارتباط والقيادة والتسليح والتوجيه جزءا من منظومة الحشد الشعبي وليس لديهم أي سلطة عليها، لذلك هم في أي توجه ضد الحشد الشعبي يعتبرون غير متضررين بل مستفيدين لذلك اعلنوا تأييدهم للأمر الديواني.
ايضا لابد ان نضيف موقف سيد مقتدى الواضح تجاه الحشد الشعبي، واعلانه انفكاك ارتباط سرايا السلام به فور صدور الامر الديواني، وهذه الصورة معلومة لدى عادل عبد المهدي لذلك اصدر هذا الامر الديواني،
كنتيجة موقف الفصائل المكونة للحشد المشتركة في العملية السياسية وبإعلانها التأييد للأمر الديواني ساهم في تفتيت الموقف الواحد القوي تجاه أي تحرك ضد الحشد الشعبي بصورة عامة وفصائل المقاومة الاسلامية بصورة خاصة وبالتالي اضعف منظومة الحشد الشعبي من خلال فصل الارتباط العقائدي والقيادي بفصائل المقاومة الاسلامية.
ثانيا / طبيعة المشهد السياسي
فقدان الهوية الدستورية للتحالفات التي شكلت الحكومة جعلتها غير مستقرة بل غير مكتملة نتيجة توليد ضغط واضح من الكتل السياسية ( شيعية او سنية) معادية للحشد الشعبي في الحصول على تنازلات من رئيس الحكومة تجاه فصائل المقاومة ذات الثقل الاكبر في توجهات الحشد وهذا التوجه لا ضعاف الحشد الشعبي ظهر واضحا في الفقرة (2 ) والتي نصت على وجوب « التخلي نهائيا عن جميع المسميات التي عملت بها سابقا»، وكذا الفقرة ( 3 ) الخاصة بقطع أي ارتباط امري، فهاتين الفقرتين واضح فيها القصد من اضعاف الحشد الشعبي من خلال التأثير على الحالة العقائدية والمعنوية المتمثلة بمسميات الفصائل والويتها المكونة للحشد كما ان قطع الاتصال الامري ايضا يأتي بنفس السياق بل ربما اكثر خطورة.
ثالثا / القوات الامريكية وضعف رئيس الوزراء :-
الامر الديواني اظهر حجم النفوذ الذي تمتلكه والضغوط التي تمارسها امريكا داخل المشهد السياسي العراقي فموقفها معروف تجاه اضعاف وحل الحشد الشعبي ومعادات فصائل المقاومة الاسلامية ذات الموقف العقائدي الثابت تجاهها، لذلك هذا الامر وبنوده هو احد الصور الواضحة لتأثير امريكا وقواتها المحتلة على اصحاب القرار في العراق، والا لو كانت الحكومة جادة فيما يسمى بحصر السلاح بيد الدولة فهناك مجاميع حزبية وارهابية وعشائرية تمتلك سلاح خارج اطار الدولة كالبيشمركة والحشد العشائري وحزب الــ PKK ، فضلا عن القوات التركية والامريكية وغيرها من القوات الاجنبية التي تحتل اراضي عراقية.
وبالحالة الصحية السليمة للدولة والحكومة والفرضية الصائبة فان فصائل المقاومة والحشد الشعبي هما أداة ووسيلة الدولة لبسط نفوذها على كامل الاراضي العراقية وحصر السلاح بيدها.
رابعا / الجدوى واولويات الحكومة :-
الامر الديواني يعكس بشكل واضح عدم وجود اولويات للتعامل مع كافة الملفات بشكل يجسر الهوة الموجودة بينها وبين المواطن، فالمفروض ان يكون توجه الحكومة تجاه الملفات التي هي ضاغطة عليها وتمس حياة المواطن بشكل مباشر كالخدمات والكهرباء والماء والتعينات واعادة الاعمار للمحافظات المتضررة والمناطق المحررة، والتي ايضا ممكن ان يكون الحشد في هذا التوجه عامل مساعد بشكل كبير كما حدث في فيضانات الشتاء الماضي.
وترك كل هذه الأولويات واستهداف الحشد الشعبي بشكل متكرر يعكس تخبط الحكومة والكتل السياسية وخضوعها للتأثيرات الداخلية والخارجية .

اقليميا ::-
المنطقة تشهد متغيرات عسكرية وامنية وسياسية متتالية، فالتصعيد الامريكي تجاه ايران وضغطها على العراق لاتخاذ موقف مؤيد لها، فضلا عن الاحتمالية الكبيرة لعودة المجاميع الداعشية للعراق او سورية بأعداد كبيرة وبرعاية امريكية خليجية، وكذلك موقف ترامب باستخدام القواعد الامريكية في العراق ضد دول الجوار.
يضاف لذلك موقف الدول العربية وبالخصوص الخليجية المعادي للعراق وحشده الشعبي وفصائل المقاومة الاسلامية كل هذه العوامل تحتم ان يكون هناك تعامل ايجابي مع الحشد الشعبي وفصائله المقاومة، وليس العكس .
لذلك فان هذا الامر الديواني يعكس عدم وجود رؤية استراتيجية بكافة الابعاد وخصوصا العسكرية لصاحب القرار في الحكومة بل يعكس تفريطه بعناصر القوة للدولة والشعب.
تداعيات ( اثار) الامر الديواني 237 :-
اولا / التوقيت :-
على المستوى الداخلي هناك عمليات مستمرة للحشد الشعبي ضد المجاميع الارهابية واي توجه للمساس بالحشد الشعبي سيكون له مردودات عكسية على معنويات المقاتلين وانتاجيتهم في مسارح العمليات فضلا عن زيادة احتمالية التعرض للخسائر البشرية والمادية، لأنه مثل هكذا توجهات ستؤثر على قناعات المقاتل في ساحة القتال كما انه لا توجد مؤشرات على استقرار الاوضاع اقليميا وبالتالي التوقيت سيء جدا لمثل هكذا تعامل سلبي مع الحشد الشعبي .
ثانيا / تهجين الحشد الشعبي :-
الامر الديواني ومن خلال فقراته العشرة يحاول ان يهجن الحشد الشعبي من خلال سلب استقلاليته التي نص عليها قانونه ذا الرقم 40 لسنة 2016 في المادة ( ثانيا / 1) والتي تنص على ان « ﻴﻜ ون الحشد الشعبي تشكيلا عسكريا مستقلا وجزء من القوات المسلحة العراقية ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة «.
ومن خلال هذا التهجين يظهر واضحا احد اهم اهداف هذا الامر الديواني وهو ابعاد فصائل المقاومة الاسلامية كتائب حزب الله ، النجباء ( وجودا وقيادة وتأثيرا ) ذات الموقف الثابت والواضح والمعلن تجاه قوات الاحتلال الامريكي اخذين بالاعتبار الموقف المتغير من «بعض فصائل المقاومة» باتجاه تلك القوات المحتلة بصوره تعتبرها ايجابية والذي ظهر بشكل تأييد للأمر الديواني .
ثالثا / من التداعيات المحتملة لهذا الامر الديواني هو ان يكون بداية لدمج الحشد الشعبي في القوات الامنية ( دفاع – داخلية )،وبالتالي بداية لحل هذا التشكيل ذو الهوية والعقيدة القتالية، وكنتيجة حتمية لذلك اضعاف المنظومة الامنية بشكل كامل واحتماليات عودة سيناريو 2014، كما سيكون هناك زيادة في منسوب التدخلات العسكرية الامريكية في العراق فضلا عن زيادة نفوذها وتأثيرها السياسي والاقتصادي، بل جر العراق ليكون تابعا لها كما السعودية والامارات.

اترك تعليق

قم باضافة تعليق
الرجاء ادخال اسمك هنا