الاستاذ كاظم الحاج
في عام 1931 بدأت بشكل رسمي العلاقات الامريكية السعودية من خلال تقديم الاعتراف الدبلوماسي الكامل بالتزامن مع تنقيب شركة كاليفورنيا العربية ستاندارد اويل والتي سميت فيما بعد بشركة الزيت العربية الامريكية (ارامكو) عن النفط في المنطقة الشرقية؛ في 14 شباط 1945 التقى الرئيس الامريكي روزفلت بـ عبدالعزيز بن سعود على متن حاملة الطائرات الأمريكية كوينسي وناقش معه مواضيع مثل العلاقة الأمنية بين الدول وإنشاء دولة يهودية في فلسطين.
في عام 1971 انسحبت بريطانيا وبشكل رسمي من منطقة الخليج الفارسي، فتحركت امريكا بقوة لاستغلال هذا الانسحاب، في بيع الاسلحة و توفير الحماية للدويلات والامارات المستقلة حديثا، ومما زاد من تركيز الولايات المتحدة على السعودية هو اسقاط الشاه على يد الامام الخميني (قد) بقيام الجمهورية الاسلامية في ايران عام 1979 م.
منذ ذلك الحين الى هذا اليوم تعلن امريكا ان سلامة واستقرار السعودية هي مسألة حيوية لمصالح امريكا في الشرق الاوسط ، ويتم ذلك حسب راسمي السياسة الخارجية الامريكية بعدة خطوط اساسية وايجاد توليفة بين المصالح الاقتصادية والعسكرية والسياسية بطريقة تضمن ديمومة مصالح امريكا الداخلية والخارجية وخصوصا في منطقة الشرق الاوسط وذلك من خلال :-
اولا / بما ان السعودية تمتلك ربع احتياطي النفط في العالم وهي المصدر الاول له، فيجب اعادة استثمار الفوائض المالية السعودية الناجمة عن بيع النفط في الاقتصاد الامريكي.
ثانيا / السيطرة العسكرية على الخليج الفارسي والبحر الاحمر، من خلال عقد اتفاقيات مع الدول والامارات وعلى رأسها السعودية التي تحتاج الى حماية نفسها من الداخل والخارج ، بإيجاد عدو وهمي لها، وايران هنا هي هذا العدو الوهمي.
ثالثا / من خلال توفير هذه الحماية فان السعودية ستكون اداة طيعة لأمريكا لتنفيذ سياستها في المنطقة بالضد من الدول والشعوب التي ترفض الهيمنة والتبعية للأجنبي ، وهذا ما قامت به السعودية تحديداً منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي الى اليوم ، بإيجاد مجاميع ارهابية ودعمها فكريا وماديا وعسكريا ولوجستيا، استطاعت هذه المجاميع ان تكون احد اهم ادوات امريكا في المنطقة وخصوصا ضد محور المقاومة.
رابعا / يمكن للسعودية ان تمارس دور اخر في زيادة هيمنة امريكا على منطقة الشرق الاوسط عموما والمنطقة خصوصا باستمرار وصول الطاقة لأمريكا وحلفائها والتحكم بأسعارها، وكذلك توفير الحماية لإسرائيل من خلال عرقلة أي تحرك إسلامي عربي نحو القضية الفلسطينية عسكريا او سياسيا وهذا ما يتم الان من خلال تحول العلاقات من المرحلة السرية الى العلنية، وبدأ التطبيع بشكل مضطرد مع الاحتلال الاسرائيلي.
خامسا / ممكن للسعودية ان تلعب دورا اساسيا في انهاء القضية الفلسطينية، من خلال تبنيها لما يعرف بصفقة القرن، والضغط على الفلسطينيين للقبول بها وكذلك الضغط على بعض العرب ممن لايزالون يرفضون التطبيع مع اسرائيل وتوفير الدعم المالي كليا او جزئيا لهذه الصفقة.
حجم التبادل التجاري بين امريكا والسعودية:-
حسب بيانات امريكية فان حجم التبادل التجاري بين امريكا والسعودية من عام 2008 الى عام 2017 يساوي 555.4 مليار دولار، هذا الاستثمار كان فقط في :-
1- تصدير السيارات واجزائها.
2- المركبات الجوية ( الطائرات المدنية ) واجزائها.
3- تصدير اجهزة طبية وبصرية وتصويرية واجزائها.
4-الاجهزة الكهربائية و الالكترونية واجزائها.
استثمارات السعودية في سندات واذونات الخزانة الامريكية لغاية شهر اب 2018 يساوي 176.1 مليار دولار.
ايفادات الطلبة السعوديين على حساب الملك، للعام الدراسي 2017 / 2018 بلغت ما يقارب من 3.5 مليار دولار.
الإنفاق السعودي على الشركات والمجموعات الاستشارية في امريكا عام 2017 فقط؛ وصل إلى أكثر من 27 مليون دولار، منها مجموعة «ماكيون» التي يشرف عليها هوارد بي، الرئيس السابق للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب؛ و»بي جي آر» التي أسسها الجمهوريان البارزان إد روجرز وهالي باربور؛ و»كلوفر بارك كروب»، التي أطلقها عدد من الاستراتيجيين الديمقراطيين؛ وشركة «بوديستا كروب»، التي يملكها الديمقراطي السابق توني بوديستا.
عدد الشركات الأمريكية في السعودية حتى الشهر التاسع من عام 2018 يساوي 462 شركة، برأس مال اجمالي ما يقارب 15 مليار دولار.
الرشى للمسؤولين الامريكان المبلغ غير معروف.
حجم الشراء السعودي للسلاح الامريكي …
تبلغ ميزانية قواتها المسلحة 62,8 مليار دولار، وفي تقرير وضعه مكتب خبراء “آي إتش إس جينس” في لندن، أكد ازدياد مبيعات الأسلحة للعام السادس على التوالي للسعودية في عام 2014، حيث وصلت إلى 64.4 مليار دولار مقابل 56 مليارًا في عام 2013، أي بزيادة 13.4%. ،وأصبحت أهم سوق للسلاح الامريكي ، و الاستيراد السعودي للسلاح الامريكي ازداد بمعدل 54%.
في 20 /5/ 2017 وقع ترامب مع محمد بن سلمان صفقة اسلحة بمبلغ 410 مليار دولار، منها 110 مليار دولار لشراء سلاح بشكل صفقات جزئية وحسب حاجة السعودية، و300 مليار دولار لشراء سلاح على مدى عشر سنوات.
الرأي العام الامريكي بقضية مقتل خاشقجي :-
الواشنطن بوست ووسائل اعلام أمريكية اخرى لعبت دورا كبيرا في التأثير على الرأي العام الامريكي بمقتل خاشقجي ونتيجة لذلك تبنى بعض المسؤولين الامريكيين القضية وبدأوا بالضغط على ترامب من اجل ان يكون هناك موقف امريكي واضح في هذه القضية.
بعض السيناتورات من الحزبين الديمقراطي والجمهوري تعاملوا مع القضية بشكل يختلف عن نظرائهم، باعتبار ان ما تم هو خرق لحقوق الانسان وتجاوز لكل المعايير الدولية للتعامل مع المعارضين لحكومات مستبدة.
واستمرار لأسلوبها في التعامل مع سياساتها الخارجية بسيناريوهات متعددة، استمر عدد من اعضاء الكونكرس بالضغط على السعودية وتحديدا محمد بن سلمان بالتواصل مع بعض امراء العائلة الحاكمة من اجل منع وصوله للعرش وايجاد بديل له. وتصاعد هذا التيار مع زيادة التسريبات التركية حول مقتل خاشقجي والاعتراف السعودي .
به، مما دفع ترامب لان لا يقف بوجه هذا التيار القوي واخذ مواقف اعلامية متعددة تتراوح بين التهديد والوعيد، لكنه يعرف جيدا ان الداخل الامريكي الذي يهمه بالدرجة الاولى هو الانتعاش الاقتصادي واستقراره والتأمين الصحي وانخفاض نسبة البطالة وقضية الهجرة والمهاجرين، اما قتل شخص سعودي هو اصلا كان جزءا من الحكومة السعودية فهذا ليس بالأمر الذي ممكن ان يغير قناعات الامريكان بشكل مؤثر تجاه ترامب وسياساته الداخلية والخارجية.
ولامتصاص الضغط الداخلي والخارجي قامت الادارة الامريكية بأدراج سبعة عشر شخصية سعودية ( ممن حددهم محمد بن سلمان ) ضمن عقوبات امريكية وفق قانون «ماجنتسكي» والذي يسمح للإدارة الامريكية بفرض قيود على الاشخاص الذين ينظر اليهم على انهم متورطون في اتهامات خطيرة بحقوق الانسان.
بعد تقرير الاستخبارات الامريكية في القضية ، والذي قالت فيه من المحتمل ان يكون محمد بن سلمان على علم بأمر قتل خاشقجي، قال ترامب انها بذلك لم تثبت انه متورط بجريمة القتل وأن الولايات المتحدة ستواصل تلك الاتفاقيات التجارية، وأنهم لن يستغنوا عن مئات مليارات الدولارات، لأنهم إذا تنازلوا فسترتفع أسعار النفط بشكل كبير» ، مما سيؤثر على الاقتصاد الامريكي،وكذلك قال «إذا لم نقم ببيع المعدات العسكرية للرياض، ستقوم بشرائها من روسيا والصين ، وهذا أمر من شأنه إسعاد بكين وموسكو».
ولان السياسة الخارجية حسب المادة الثانية من الدستور الامريكي هي من اختصاص السلطة التنفيذية التي يقودها الان ترامب وبعقليته التجارية اخذين بنظر الاعتبار ما يلي :-
1- حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين امريكا والسعودية .
2- تأثير السعودي القوي في التصدير واسعار النفط العالمية .
3- صفقات شراء السعودية للسلاح الامريكي .
4- دور محمد بن سلمان في تنفيذ ما تريده امريكا واسرائيل .
5- دور السعودية في احداث 11 / 9 / 2001 ، والتي ادت الى مقتل اكثر من 5000 امريكي.
6-عدم تطبيق قانون جاستا على السعودية.
فان امريكا وترامب بالخصوص لن يغير من علاقاته بشكل كبير وملموس مع السعودية ومع محمد بن سلمان بشكل خاص فيما تبقى له من مدة رئاسته، وبالتالي ستتغلب المصالح على الرأي العام العالمي والامريكي، وربما سنشهد بعض التغير في هذه العلاقة اذا اتى رئيسا ديمقراطيا.