الأستاذ كاظم الحاج
سياسية حاصروهم بالتسريبات التي اتبعتها تركيا مع السعودية في قضية قتل جمال خاشقجي دفعتها بعد اكثر من اسبوعين من الانكار، الى الاعتراف بقتل جمال خاشقجي داخل قنصليتها في إسطنبول .
ولان كل الدلائل تشير الى ان امر قتل خاشقجي صادر من محمد بن سلمان ، فالاعتراف بالقتل بعد الانكار وادعاء عدم العلم بمصيره جعل السعودية وبالخصوص الملك وابنه محمد بن سلمان في مأزق بعد تجاهلها على المستويين الداخلي والخارجي.
اهم هذه الاتجاهات على المستوى الداخلي هي:-
اولا / في بداية القضية وبعد الاعتراف بقتل خاشقجي، كانت هناك مؤشرات على تحرك هيئة البيعة لتنحية محمد بن سلمان وابداله بشقيقه خالد بن سلمان، وهذا المأزق بدا واضحا بشكل كبير جدا من خلال الاوامر الملكية التي نصت على اعفاء عدد مهم من الشخصيات المقربة جدا من محمد بن سلمان ( ادواته ) والتي كان يعتمد عليها بمساعدة والده في الوصول الى منصة التتويج في اقرب وقت ممكن.
ثانيا / نتيجة لهذه الجريمة البشعة اهتزت صورة محمد بن سلمان كملك قادم للسعودية لدى اهم الشخصيات ورؤساء الدول الداعمين له، واظهرته كشخص مجرم قاتل وكاذب ومخادع بشكل فاضح وعلني.
ثالثا / تعرض ما يسمى بالتوجه الاصلاحي لمحمد بن سلمان وفق رؤية 2030 الى زلزال يكاد يسقطها خصوصا بعد اعتذار وعدم حضور شخصيات عالمية اقتصادية مؤثر في مؤتمر دافوس الصحراء.
رابعا / اضطراره للأفراج عن المعارضين له من العائلة المالكة وهو ما سيزيد موجة المعارضة لمحمد بن سلمان بين الامراء وخصوصا الشباب منهم وهو ما سيكون له تأثير على مسألة توليه الملك بعد ابيه.
خامسا / عدم وجود جثة خاشقجي… واحدة من اهم المآزق التي تواجه محمد بن سلمان، فالأتراك مصرون على معرفة ما تم فعلة بالجثة ومكانها وما يترتب على هذا الامر، كذلك تسليم الاشخاص الذين اصبحوا كبش فداء بهذه القضية لان يحاكموا داخل تركيا.
سادسا / بعد قتل خاشقجي فضلا عن انعدام الامان في موسم الحج او اثناء العمرة والتي تؤكد الشواهد والاحداث استغلالها من قبل العائلة الحاكمة لتصفية المعارضين لإل سعود من المسلمين، انعكست سلبا وبشكل كبير على المكانة الدينية التي تدعي السعودية انها تمثلها كبلاد للحرمين وكذلك صفة خادم الحرمين التي يحملها الملك السعودي.
ما على المستوى الخارجي فالسعودية اصبحت في مأزق ايضا بعدة اتجاهات :-
اولا / مقتل خاشقجي وضع السعودية بمواجهة مباشرة مع اغلب الدول الداعمة لها في حربها ضد اليمن، باعتبار ان هذه الحرب هي حرب اباده جماعية لشعب كامل يرفض ان يرضخ او يكون تابعا للسعودية، وهناك تصريحات لرؤساء دول ووزراء حكومات وحتى شخصيات مؤثرة في الغرب بهذا الموضوع.
ثانيا / المواقف السياسية التي اتخذتها بعض الدول الاوربية وكذلك من بعض اعضاء الكونكرس الامريكي التي تدين قتل خاشقجي وتؤكد انها بأمر من محمد بن سلمان، اثرت بشكل ابو بآخر على علاقات تلك الدول والشخصيات مع السعودية، وكنتيجة لذلك اوقفت بعض الدول تصدير السلاح لها.
ثالثا / المعلومات الخطيرة التي حصلت عليها تركيا من تحقيقاتها وكذلك من تليفون خاشقجي ستجعل محمد بن سلمان في حالة عدم استقرار وابتزاز دائم منها، خصوصا اذا لم يفز ترامب بدورة ثانية لرئاسة امريكا.
رابعا / توجه البرلمان الاوربي لتبني تحقيق دولي في قضية قتل خاشقجي، واستعداد الامم المتحدة لتبني مثل هذا التحقيق وانشاء محكمة دولية .
كل هذه الاتجاهات والمواقف وردات الفعل على المستويين الداخلي والخارجي وضعت السعودية بصورة عامة ومحمد بن سلمان وابيه بصورة خاصة في مأزق كبير جدا جدا.
سيناريوهات اعادة تشكيل الادارة السياسية العليا في السعودية:-
بعد مقتل خاشقجي واعتراف السعودية به تناقلت وسائل الاعلام انباء عن تحرك العائلة المالكة باستثناء الملك وابنه، لعزل محمد بن سلمان عن ولاية العهد وتنصيب الاخ الشقيق له خالد كولي للعهد، لكن كان هناك تحركين هامين اثرا بشكل كبير على هذا التوجه بل اوقفاها هما:-
1- مواجهة محمد بن سلمان لهذا التحرك، وابلاغ هيئة البيعة انه لن يتنازل او يتنحى عن ولاية العهد مهما كلف الامر، واصداره وابيه مجموعة من الاوامر الملكية التي حَملت بموجبها قتل خاشقجي لمجموعة من المقربين منهما، وابعاد تهمة القتل عنه بشكل كبير، خصوصا ان هؤلاء الاشخاص في ظل الظروف الحالية سيكونون مضطرين للاعتراف بقتل خاشقجي وعلى انهم خالفوا الاوامر التي صدرت من الرياض بمسألة التحقيق وان قتله تم بالخطأ، ومما يعضد هذا الامر هو رفض السعودية تسليمهم لتركيا لمحاكمتهم على اراضيها.
2- من حسن حظ محمد بن سلمان ان قتل خاشقجي تم في ظل وجود ترامب كرئيس للولايات المتحدة ، وهو المعروف بانه يتعامل في سياسته الخارجية وفق صفقات تجارية، واستعداد محمد بن سلمان وابيه للدفع، وكذلك استعداد تركيا للتعامل وفق هذا المبدأ بعد تدهور اقتصادها والليرة التركية بشكل كبير، وايضا وجود اوردغان الذي هو الاخر براكماتي بشكل مباشر‘ فضلا عن القاعدة التي تقول « لا عداء دائم ولا صداقة دائمة وانما مصالحة دائمة « هي المبدأ الاساسي الذي تتعامل به الدول الغربية – التي استنكرت واتخذت مواقف عديدة متباينة ضد السعودية في مقتل خاشقجي – في علاقاتها مع الدول وخصوصا الغنية التي يمكن ابتزازها، وكذلك الدعم الاسرائيلي العلني لمحمد بن سلمان في تطبيع العلاقات معها او فيما يخص صفقة القرن.
3- استمرار فشل المخططات الامريكية والاسرائيلية في المنطقة عموما وفي دول محور المقاومة خصوصا، يجعلهما في محل الاحتياج لشخصية مثل محمد بن سلمان لتولي زمام الامور في السعودية ومن ثم تحويله وأياها لأداة لتطبيق المخططات التي ترسمها الصهيونية العالمية ضد ايران ومحور المقاومة بما فيها فلسطين، وكل من يعارض سياسة امريكا الخارجية الخاصة بما يعرف بالشرق الاوسط.
وكنتيجة لهذه العوامل ولان محمد بن سلمان محمي من قبل الصهاينة وعلى رأسهم ترامب ونتنياهو فانه لن يحدث أي تغير في بنية العائلة المالكة، ربما السيناريو المتوقع فقط هو تأخير التتويج لحين ايجاد حدث اخر يصرف انتباه المجتمع الدولي اليه وايجاد بيئة ومناخ ملائم لإعلان محمد بن سلمان ملكا على السعودية ، وبالتالي فان السياسات الداخلية والخارجية للسعودية لن تتغير بشكل جوهري وستبقى كماهي، وخصوصا العداء لمحور المقاومة بصورة عامة وايران وفصائل المقاومة الاسلامية بصورة خاصة.