سعد الحريري وعقدة تشكيل الحكومة.. مطالعة في الصحافة اللبنانية

1289

موقع قناة المنار

تناولت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الثلاثاء 10-07-2018 في بيروت مواضيع عدة كان أبرزها تشكيل الحكومة الجديدة خارج أيّ مؤشرات إيجابية، رغم انقضاء شهر ونصف شهر على تكليف الرئيس سعد الحريري..

الأخبار
عون والحريري هما القطبة المخفية في طربوش التأليف

الاخبارتناولت جريدة الأخبار الشأن الداخلي وكتبت تقول “انقضى شهر ونصف شهر على تكليف الرئيس سعد الحريري دونما أدنى تقدّم. كأن الاستحقاق لا يزال غداته. منذ اليوم الأول، لا أحد من الأفرقاء الرئيسيين المعنيين بالتكليف ــ وليسوا رئيسي الجمهورية والحكومة فحسب – يتزحزح عن شروطه

بانقضاء شهر ونصف شهر على 24 أيار، وُلدت على هامش تأليف الحكومة نزاعات موازية مستعرة: بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، بين الرئيس سعد الحريري والسنّة المعارضين، داخل البيت الدرزي ومع القوى التي تتجاذب خلافاته. وحده «الثنائي الشيعي» يتفرّج. أقرب ما يكون إلى الشامت، منه إلى المعني بتذليل العراقيل سواء من خلال تأثير الرئيس نبيه برّي على نصف المتخاصمين أو من خلال تأثير حزب الله على النصف الآخر.

منذ ما قبل تكليف الحريري، رُفع عنوان واحد للحكومة الجديدة هو: حكومة وحدة وطنية يتمثّل فيها الجميع. لا يزال هذا العنوان وحده، منذ اليوم الأول، دليل تأليف الحكومة، لكن من دون تأليف بسبب الخلاف على قياس الأحجام وتقدير الحصص وتوزيع الحقائب. قد تكون طامة كبرى أنه العنوان الوحيد الذي يلتقي عليه المرجعان الدستوريان المعنيان بالتأليف، وهما الرئيس ميشال عون وسعد الحريري. ما عداه، أثبتت الأيام التالية أنهما على طرفي نقيض.

في الظاهر، التباين بين الرئيس المكلف والوزير جبران باسيل المكلف من القصر الجمهوري إدارة ملف التأليف. في الواقع، أنه أيضاً بين رئيسي الجمهورية والحكومة اللذين يقاربانه على نحو مختلف. يكفي أن يكون باسيل المحاور والمفاوض الوحيد باسم القصر الجمهوري كي يعبّر عن وجهة نظر الرئيس، مقدار تعبيره عن ترؤسه الحزب الذي يقود الكتلة النيابية الكبرى في البرلمان، ناهيك بأنه رئيس حزب الرئيس. بذلك يمسي التمييز بين رئيس الجمهورية وصهره الوزير باهتاً للغاية.

بضعة معطيات مرتبطة بتباين المقاربة:
أولاها، أن رئيسي الجمهورية والحكومة يحاولان – للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف وليس اتفاق الدوحة فحسب – تأكيد صلاحيتهما الدستورية، الحصرية، بتأليف الحكومة. الأمر الذي لم يُعطَ أياً من الرؤساء الياس هراوي واميل لحود وميشال سليمان مع رؤساء الحكومات المتعاقبين، إبان الحقبة السورية وبعدها. في ظل وجود سوريا، كان التأليف مقسّماً على ثلاثة: رئيسا الجمهورية والحكومة ودمشق الوحيدة تمتلك نصاب الثلثين مباشرة، وأحياناً مداورة مع أحد الرئيسين الآخرين. بعد اتفاق الدوحة، ظل التأليف مقسّماً على ثلاثة لكن بتفاوت: رئيس الجمهورية وفريقا 8 و14 آذار من ضمن الأخير حصة رئيس الحكومة. بدا المقصود بذلك، مع جلاء الجيش السوري، أن موازين القوى الداخلية هي الشريك الفعلي للرئيسين في التأليف، وفي كل ما يتجاوزه في طلب الحصص والحقائب.

ما يسمعه المطلعون عن قرب على موقف رئيس الجمهورية، أنه مصر على حكومة تتمكن من الحكم، وتجعله يحكم كرئيس للدولة. يريد بذلك إعادة الاعتبار إلى الرئاسة بما لا يجعل دورها يقتصر على توقيع مرسوم تأليفها لمجرد أن له حصة، بل طلب سلطة إجرائية جدية وقوية. بدوره، الرئيس المكلف يردّد كلاماً مماثلاً، بتأكيده أنه هو المرجع الوحيد لتأليف الحكومة قبل عرضها على رئيس الجمهورية، في معرض استنفار طائفته كما لو أن المستهدف هو المنصب وصلاحياته الدستورية، وليس الرجل، وكما لو أن الطائفة هي مرجع الصلاحيات الدستورية تلك. مع ذلك، لا يغرب عن بال الحريري – أو يُفترض – أن والده الرئيس رفيق الحريري لم يؤلف، بفعل صلاحياته الدستورية، أياً من حكوماته في عهدي هراوي ولحود، ولا يغرب أكثر عن باله أن أياً من أسلافه هو قبل وصوله إلى السرايا وبعده كالرؤساء فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام لم يؤلف بمفرده حكوماته، ولا حتماً تبعاً لصلاحياته الدستورية.

عند هذا التقاطع، يلتقي عون والحريري في حصر التأليف بهما، وتالياً دفع الاستحقاق إلى نطاقه الدستوري البحت للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف. لا يكرّسان بالتأكيد عرفاً جديداً في الممارسة، بل يعودان إلى أصل الصلاحية التي تجعل توقيع أي منهما ملزماً للآخر لإبصار أي حكومة النور. ما يعني توافقهما على تأليفها كلها. ولأن كليهما يملك فيتو تعطيل التأليف، يتداخل دوراهما على نحو يتعذّر معه فرض إرادة أحدهما على الآخر. لكن ما يعلماه معاً، على السواء، أن ليس في وسعهما فرض حكومة أمر واقع على أي من الأفرقاء ذوي السقوف العالية كوليد جنبلاط وسمير جعجع، ولا بالتأكيد على «الثنائي الشيعي».

ثانيها، أن إصرارهما على أنهما المعنيان وحدهما بالتأليف لا يعفيهما من وجودهما عند مفترقين متناقضين. يتمسك عون بإعطاء القوات اللبنانية أقل مما تطلب بما في ذلك عدم حصولها على نيابة رئاسة الحكومة أو حقيبة سيادية، وبوضع مقعد درزي خارج جنبلاط، وبفصل حصته عن حصة حزبه التي يريدها مرجحة. في المقابل، يقيم الحريري في المقلب المعاكس: يدعم جنبلاط في المقاعد الدرزية الثلاثة، وجعجع في حصة زائدة مع حقيبة سيادية إذا لم تتوافر له نيابة رئاسة الحكومة. وأضاف الحريري إلى موقفه أحدث وسائل الضغط، تأكيده أنه لن يعتذر عن تأليف حكومته أياً تكن وطأة الضغوط أو مصدرها، وأياً يطول الوقت. ليس في وارد تكرار ما فعل في تكليف 2009 عندما اعتذر في اليوم الـ80 قبل أن يعاد تكليفه، ويرى في سابقة الأشهر الـ11 لسلفه سلام ما يعزّز حجته بأن الوقت لا يزال متاحاً أمامه.

ما يحتّمه تناقض موقفي الرئيسين أن لا حكومة جديدة ما لم يتخلَّ أحدهما عن شروطه، أو يوافقان على تنازلات متبادلة يكون الرابح فيها أو الخاسر جنبلاط أو جعجع.

ثالثها، ما يبدو جلياً أن عون ليس في وارد إرباك الحريري لدفعه إلى الاعتذار أو عرقلة مساعيه في التأليف، ولا في وارد التخلي عنه، ولا في صدد استعجال بت التأليف رغم ما سُرّب عنه في الأسابيع الأولى من التكليف أنه لن ينتظر طويلاً. يتصرّف حيال الوقت الذي مرّ على أنه لا يزال في نطاق طبيعي مقبول، لا يبرّر التسرّع في أي خطوة غير محسوبة. إلا أن تمسك الحريري بتكليفه وإعلانه سلفاً عدم الاعتذار لا يرسل سوى إشارة سلبية واحدة، إلى رئيس الجمهورية بالذات، المرجع المعني ببيان تكليفه وبإجراء استشارات نيابية ملزمة، مفادها إصراره على ممارسته صلاحياته الدستورية بلا قيود.

يعرف الحريري أيضاً أن أحداً، بما في ذلك مجلس النواب، لا يسعه تجريده من تكليفه ما خلا الرياض التي أرغمته في تشرين الثاني الفائت على الاستقالة. لا سابقة في ذلك منذ أول تطبيق للتكليف المنبثق من اتفاق الطائف مع حكومة الرئيس عمر كرامي عام 1990. كان الرئيس نبيه برّي وجد أخيراً في تجريد الرئيس المكلف من تكليفه إيذاناً بـ «حرب مذهبية».

الجمهورية
إتصالات.. ولا إختراقات… وبكركي تسعى لإحتواء إشتباك «التيار» و«القوات»

الجمهوريةوتناولت صحيفة الجمهورية الشأن الداخلي وكتبت تقول “إمتلأ النصف الأول من الكوب الحكومي بعودة المسافرين من الخارج، وصعود الرئيس المكلّف سعد الحريري مجدداً الى منصة التأليف بمحاولة جديدة لبلورة صورة حكومته في الآتي من الايام، الّا انّ النصف الثاني من هذا الكوب مُمتلىء سلفاً بتعقيدات ومطبّات سياسية مفتعلة، يُنذر تراكمها المتزايد باستفحال أزمة التأليف أكثر فأكثر وفقدان الأمل بولادة الحكومة في المدى المنظور. وبالتزامن مع هذا الوضع، تبرز محاولة لاحتواء ارتدادات التأليف المعطّل، والتي أصابت شظايا الخلاف على الحصص والاحجام العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» في صميم «تفاهم معراب». واللافت في هذا السياق دخول بكركي على هذا الخط لإعادة لحم ما تصدّع بين الطرفين. وترددت معلومات ليل أمس عن أن الوزير ملحم رياشي والنائب إبراهيم كنعان سيلتقيان اليوم على أن يزورا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الديمان بعد غد.

جديد التأليف، حديث عن محاولة جديدة هذا الاسبوع لإدخال الحكومة الى غرفة الولادة، لكنّ الرئيس المكلّف، الذي تقول أوساطه انه عائد من إجازته الخاصة بحيوية زائدة لتحقيق «اختراق ما»، عَبّر عن تفاؤل ناقص، لم يعزز الأمل بقرب الولادة، خصوصاً انّ الحريري قدّم تصريحاً مقتضباً لم يُرِح المتشائمين ولا المتفائلين في آن معاً، حيث قال «متفائلٌ دائماً ولكن no comment».

أفكار جديدة
أوساط الحريري أكدت لـ«الجمهورية» انه لم يقطع اتصالاته مع القوى السياسية، حتى خلال إجازته الخاصة، وثمّة أفكار موجودة لديه، إلّا انّ هذه الاوساط لم تكشف ما إذا كانت الامور قد بلغت حَدّ وضع مسودة جديدة لعرضها على رئيس الجمهورية في لقائهما المرتقَب، ربما اليوم، علماً انّ دوائر القصر الجمهوري لم تُشر الى موعد محدد لزيارة الحريري الى القصر الجمهوري ولقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لافتة في السياق نفسه الى انّ رئاسة الجمهورية لا تملك اي معطيات حول ما يمكن أن يطرحه الرئيس المكلّف، مع تشديدها الدائم على التعجيل في تشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحديات التي تواجه لبنان على كل المستويات.

الحريري يزور بري
وعلى هذا الخط، سجّلت الساعات الماضية حركة اتصالات مكثفة بين الحريري ورئيس الجمهورية، وكذلك بين الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث علم انّ بري سيلتقي اليوم الرئيس المكلّف وسيناقش معه أسباب التَعثّر المستمر في تشكيل الحكومة الجديدة. على خط آخر، جرى أمس اتصالان هاتفيّان بين بري وقائد الجيش العماد جوزف عون، جرى خلالهما التطرّق إلى ملفين: الأول مسار أعمال التخمين في الأضرار التي لحقت بعلبك جرّاء السيول الأخيرة، والثاني تداعيات قضية الخلاف العقاري بين العاقورة واليمونة. وعُلم في هذا الإطار انه تقرر إحالة هذا الملف إلى القضاء للبَتّ فيه. فيما شدّد بري من جهة ثانية على ضرورة إقرار اقتراح القانون المتعلّق بتشكيل مجلس إنماء لبعلبك وآخر لعكار، في سياق التخفيف من الحرمان الذي تعانيه هاتان المنطقتان.

زحمة اتصالات
وبالتوازي مع ذلك، جرت اتصالات مماثلة على خَطّي عين التينة وبيت الوسط، بدأت ظهراً بإيفاد النائب السابق وليد جنبلاط النائب السابق غازي العريضي للقاء الرئيس بري، وأتبعه جنبلاط مساء بإيفاد النائب وائل ابو فاعور للقاء الحريري. واقترنت هذه الحركة الدرزية بتصريح مُقتضب لرئيس اللقاء الديموقراطي النائب تيمور جنبلاط، أكد فيه حق الحزب التقدمي الاشتراكي بالحصة الدرزية الثلاثية في الحكومة.

وسُجّل ليلاً أيضاً، لقاء بين الحريري ووزير المال علي حسن خليل مُوفداً من بري، وعُلم انّ اللقاء استعرض العقبات التي تحول دون استئناف البحث في التشكيلة الحكومية، والخلفيات التي بنى عليها الرئيس بري مواقفه الأخيرة، وما نقل عنه حول نيّته القيام بالدعوة الى جلسة عامة للمجلس النيابي الجديد لانتخاب أعضاء اللجان النيابية، وتلويحه بجلسة مناقشة لأسباب تأخير ولادة الحكومة أو تعطيلها.

بري: إشمئزاز
هذا الامر عاد وأكد عليه الرئيس بري أمام زواره أمس، وإشارته المتجددة الى انّ ما بلغته الأمور من تعطيل وتأخير هي غير مبررة، وتحمل على الاشمئزاز، خصوصاً انّ البلد يسير على حافّة الكارثة، والوضع الاقتصادي يزداد سوءاً، وصار أشبَه بقنبلة موقوتة، إن لم يتم تداركه سريعاً سيسقط، وانفجار هذه القنبلة سيكون مُكلفاً جداً. إنّ هذه اللامبالاة بحال البلد غير مقبولة على الاطلاق. كما لم يُشِر بري الى امتلاكه أيّ بارقة أمل تُبشّر في وضع الحكومة على السكة.

تحديات
الوضع الاقتصادي السيئ والمخاطر التي تهدده، هي أحد الاسباب الاساسية التي يراها مرجع سياسي كبير، موجِبة للدفع الى تشكيل الحكومة في أقرب وقت ممكن. وامّا الاسباب الاخرى، فخارجية، وكلها ترتبط بلبنان الذي طالما شَكّل ساحة تأثر بمحيطه، وبالتطورات الاقليمية والدولية. فالجنوب اللبناني على خط التوتر الاسرائيلي، خصوصاً بعد تعطيل تل أبيب للحل البحري وإصرارها على السطو على النفط البحري، والمنطقة أمام مخاطر كبرى. وهنا لا يجب المرور ببساطة على زيارة غير مُعلنة ولم يَمض عليها الزمن لرئيس الموساد الاسرائيلي الى واشنطن، بملف يتعلق بسوريا وإيران.

وأمّا الاساس، في رأي المرجع المذكور، فيتّصِل بالقمة المرتقبة بين الرئيسين الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وما يكشفه الديبلوماسيون من كلا الجانبين يوجِب التَعمّق فيه، لناحية انّ ترامب وبوتين يراهنان على هذه القمة لحلّ الكثير من القضايا الشائكة، وفي قلب هذه القضايا يقع الملف السوري.

ومعلوم انّ لبنان ليس بعيداً عن سوريا. والأهم في ما يكشفه الديبلوماسيون هو انّ ما يحصل في المنطقة حالياً يُنذر بالكثير من التحولات العابرة للحدود المرسومة بين دول الشرق الاوسط، الّا انّ السؤال هو عن المساحة الجغرافية لهذه التحولات، ومن الذي سيدفع فاتورتها المفتوحة على مستوى المنطقة كلها.

ولأنّ لبنان جزء من هذه المنطقة، فالأولى بالطاقم السياسي ان يُباشر في اتخاذ الاجراءات الاحترازية على كل المستويات، بدءاً بتشكيل حكومة قادرة على أن تُبعد لبنان عن ان يكون من بين دافعي الثمن.

 

البناء
الأسد يتحدّث للدبلوماسيين متجاهلاً العروض… وارتباك في واشنطن وتل أبيب عشية قمة ترامب بوتين
الجيش السوري يحسم درعا ويتوجّه نحو حدود الجولان… واستعداد لمواجهة أيّ تدخل «إسرائيلي»
الأزمة الاقتصادية لا تحرّك المسار الحكومي… وتراشق بالاتهامات حول الأسباب والمسؤوليات

البناءصحيفة البناء كتبت تقول “الصمت السياسي السوري تجاه العروض الأميركية «الإسرائيلية»، تُرجم ارتباكاً في واشنطن وتل أبيب، حيث ارتفعت التوقعات بإمكانية تطرّق الرئيس السوري للعروض المتصلة بتفعيل اتفاق فك الاشتباك في الحوار الذي أعلن عن إجرائه مع الدبلوماسيين السوريين في وزارة الخارجية، وجاءت الانتظارات بلا عائد يمكن البناء عليه، مع تجاهل الرئيس بشار الأسد لهذه العروض وتركيزه على الحوار الداخلي وعمليات إعادة الإعمار وتفعيل الدور الدبلوماسي. ما رفع نسبة القلق والتوتر والارتباك تجاه مستقبل المواجهة في سورية، حيث الطريق مقفل في وجه كلّ محاولة لتغيير السياق الذي بات قدراً وعنوانه انتصارات الجيش السوري، واسترداده الجغرافيا التي تمّ انتزاعها بقوة التدخلات الأميركية «الإسرائيلية» لجماعات ليس خافياً ارتباطها بتنظيم القاعدة وأفكاره، وتبدو القمة المرتقبة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين بوابة الأمل الوحيدة لمعرفة النيات السورية، في كيفية إدارة معاركها المقبلة، بعدما صار واضحاً أنّ روسيا ترفض التعامل معها كوصيّ على القرار السوري، وتؤكد على البعد السيادي للقرار السياسي والعسكري الذي تُمسك به الدولة السورية ورئيسها وجيشها.

تطوّرات أمس، كانت مناسبة للمزيد من هذا الارتباك، فقد نجح الجيش السوري ببلوغ اللحظات الأخيرة ما قبل الإعلان عن تحرير مدينة درعا، ووحداته تُنجز تنظيف العديد من قرى وبلدات الريف الغربي لمحافظة درعا، وتقترب تدريجاً من الخط الحدودي مع الجولان المحتلّ، وتضع جماعات النصرة وداعش اللتان تحظيان بالرعاية والدعم من كيان الاحتلال وجيشه واستخباراته، بين خيارَيْ المواجهة والرحيل، في ظلّ قرار واضح بالتصدّي لأيّ تدخل «إسرائيلي»، سواء عبر الإسناد الناري للجماعات التابعة لداعش والنصرة أو بالغارات المشابهة لغارة أول أمس، على مطار التيفور قرب حمص، فيما قالت مصادر متابعة للمواجهة العسكرية السورية للتدخّلات «الإسرائيلية»، إنّ التصدّي سيرتفع منسوبه إلى الأعلى في ظلّ معركة الجنوب، وإنّ ميزان الردع الذي رسمت قواعده ليلة الصواريخ الطويلة في الجولان سيكون على موعد مع المزيد إذا أراد «الإسرائيليون» اختبار القرار السوري، من دون أن يسمعوا كلمة تروي عطشهم لمعرفة طبيعة النيات السورية لما بعد استرداد الجنوب، وربما كامل الجغرافيا السورية لما كانت عليه قبل العام 2011.

لبنانياً، حيث الحكومة الجديدة خارج أيّ مؤشرات إيجابية، وحيث التأقلم مع انتظار طويل صار عنوان كلّ حديث سياسي تضغط الأزمة الاقتصادية بقوة، ويشير المعنيون إلى أنّ الاقتراب من الخط الأحمر يتمّ بسرعة، وحيث الأزمات تطلّ برأسها بعناوين متعدّدة، من أزمات المعلمين المصروفين في المدارس الخاصة وأزمات أسعار خدمات المولدات الكهربائية مع برامج تقنين تزداد قسوة في ظلّ صيف شديد الحرارة، ونفايات تتراكم تلالاً وجبالاً وسهولاً وتنهش الأخضر واليابس وتلوّث الجامد والسائل بحراً ونهراً ومياهاً جوفية، وركود اقتصادي مميت يتحدّث عنه أصحاب الشأن مع خشية من ظهور أزمة خانقة للشيكات المرتجعة، في ظلّ وضع مصرفي مقلق عبّر عنه التوقف عن استقبال القروض السكنية، وكان لافتاً أنّ التعامل مع هذه الأزمة وضغوطها تحوّل مادة سجالية في تراشق بالاتهامات عن التسبّب بها وتحمّل مسؤوليتها، فمقابل ذهاب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لربط الأزمة ببواخر الكهرباء كسبب لعجز الموازنة، قال وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إنّ أزمة النازحين تشكل العنصر الرئيس في الأزمة وضغوطها، بينما تذهب الهيئات الاقتصادية إلى ربط تفاقم مخاطر الأزمة بالغياب الحكومي الذي يبدو طويلاً.

الحريري: متفائل ولكن!
عاد اللاعبون والمفاوضون إلى حلبة التأليف بعدما أمضوا إجازاتهم العائلية في الخارج، لكن بالتأكيد لن يكون المشهد الحكومي كما كان قبيل سفرهم، فمساعي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم تتمكّن من احتواء الاحتقان بين التيار الوطني الحر و»القوات اللبنانية» ولم تحُل دون تفجّر العلاقة بينهما بسبب الخلاف حول الحصص الحكومية والتنافس على مستقبل الزعامة المسيحية ورئاسة الجمهورية المقبلة. أما الوقت فبدأ يداهم الشعب والاقتصاد ومستقبل البلد قبل القوى السياسية مع تفاقم الأزمات الحياتية والاجتماعية الخانقة لا سيما مع إعلان مدير عام مؤسسة الإسكان التوقف عن قبول طلبات لشراء شقق سكنية. وما يزيد الوضع هشاشة وسوءاً هو غياب المهل القانونية والدستورية لتأليف الحكومات ما يجعل الرئيس المكلف حراً طليقاً لا يملك أحدٌ حق إلزامه بموعد محدّد لا رئيس الجمهورية ولا الأكثرية النيابية الجديدة. فهل يستجيب الرئيس سعد الحريري الى الضغط الشعبي والمصلحة الوطنية لمرّة واحدة فقط ويخلع عبء القوات اللبنانية عنه ويشكل حكومة وفق معايير موحّدة ومستندة الى نتائج الانتخابات النيابية؟ أم أنه سيبقى رهن مناورات حلفائه ومقيّداً بحدود ما تطلبه المملكة العربية السعودية؟

ورغم عودة الحريري من إجازة خاصة الى إيطاليا، لم تُسجّل حركة اللقاءات والاتصالات في السراي الحكومي وبيت الوسط يوم أمس، أي جديد على صعيد التأليف، بانتظار أن يبدأ الحريري اليوم خطة تحرّك على اتجاهات عدة في محاولة جدية لإحداث ثغرة في جدار المواقف الصلبة، وبحسب ما علمت «البناء» فإن رئيس حكومة تصريف الأعمال سيزور خلال الساعات المقبلة رئيس المجلس النيابي نبيه بري في عين التينة، للتشاور معه في العقد التي لا تزال تعترض ولادة الحكومة على أن يزور بعدها قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية وقد يعرض عليه تعديلات على المسودة الحكومية الأخيرة. ونقلت أوساط الحريري عنه لـ»البناء» قلقه من تداعيات التصعيد القواتي العوني على التأليف، واستغرابه عودة الاشتباك بعدما بذل جهوداً على صعيد تهدئة الأمور مع كل من رئيس الجمهورية ورئيس القوات سمير جعجع بهدف تهيئة الأرضية للإسراع في التشكيل»، مؤكدة أن الحريري «مستمر بمساعيه ومهمته حتى بلوغ الهدف وعلى تواصل مع باسيل وجعجع وكل الأطراف. أما الكلام في هذا عن اعتكاف أو استقالة غير وارد وسابق لأوانه»، لكن مصادر «البناء» تؤكد الفتور هو سيّد الموقف في العلاقة بين الحريري وباسيل.

وبحسب مصادر «البناء» فإن العقدة الرئيسية أمام التأليف هي الخلاف بين رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل وجعجع من جهة وبين باسيل والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة ثانية على توزيع الحصص والحقائب، موضحة بأن «انهيار تفاهم معراب الذي كشف عن تقاسم الوزارات والمواقع بينهما وتمسّك الطرفين بموقفهما لن يولد حكومة».

وقال الحريري خلال رعايته في السراي احتفال اطلاق النسخة الثانية من «صيف الابتكار»: «متفائلٌ دائماً ولكن لا تعليق». وأشار رداً على سؤال عن تسريب «تفاهم معراب»، «يتشاجر الاخوة دائماً ومن ثم يتصالحون».

في وقت ينقل مقربون من الحريري انحيازه الى مطالب القوات الحكومية، برز موقف وزير الداخلية نهاد المشنوق المنسجم مع المطلب القواتي فغمز المشنوق من قناة «الوزير جبران باسيل» بقوله: «بعض الناس وصل البخار الى رأسهم والمرحلة تتطلّب الكثير من التواضع والكثير من التفاهم». ودعا من دار الفتوى الى عدم الدخول في جدلٍ رقمي بشأن موضوع الحكومة و»كأنّها تتألّف على الآلة الحاسبة بينما هي مسألة سياسيّة».

وإذ لفتت المصادر الى أن «العقدة السنية ليست أساسية، فيمكن أن تجد طريقها الى الحل لاحقاً إن حُلّت العقدتان المسيحية والدرزية». أشارت مصادر في اللقاء التشاوري السني لـ»البناء» أنه كيف يريد المعنيون بالتأليف توزير النائب طلال أرسلان وتجاهل ثلث النواب السنة؟ ورأى النائب عبد الرحيم مراد أنه لا يجوز أن يحتكر الحريري او المستقبل، التمثيل السني في مجلس الوزراء ، ودعا في حديث تلفزيوني، رئيس الحكومة المكلف الى ان يبادر ويدعو النواب السنة من خارج كتلة المستقبل الى لقاء للوقوف عند رأيهم في تشكيل الحكومة ، منتقداً قيامه بـ»المبادرة تجاه جميع الأفر قاء، ما عدا النواب السنة».

برّي: سنطالب بحجمنا الحقيقي
وبعد أن لوّح بإمكان توجيه دعوة الى جلسة عامة للمجلس النيابي لمناقشة الوضع العام في البلاد ومن ضمنها أسباب عرقلة تشكيل الحكومة، نقل زوار الرئيس بري عنه لـ «البناء» امتعاضه من تأخير تأليف الحكومة ومما آلت اليه الأوضاع وقلقه من الوضع الاقتصادي، ولفت الزوار الى أن «برّي سيتمنى على الحريري خلال لقائه به على اعتماد معايير موحّدة للتأليف واتخاذه قراراً حاسماً في هذا المجال واعتماد نتائج الانتخابات كمعيار أساسي»، مشيرين الى أن رئيس المجلس قدّم كافة التسهيلات للرئيس المكلّف لكن في حال استمرت الأطراف برفع سقوفها سأعمد وحزب الله الى المطالبة بتعديل معادلة الأحجام والمطالبة بحصص تناسب حجمنا الطبيعي».

وحذّر بري من أن تأخير ولادة الحكومة يؤثر على دور وأداء المجلس النيابي، لا سيّما أنه أرجأ جلسة انتخاب اللجان النيابية بانتظار الحكومة، لكنّه سيدعو الى جلسة قريبة لانتخاب اللجان التي تمثل المطبخ الحكومي لجهة دراسة وإعداد مشاريع واقتراحات القوانين ورفعها للهيئة العامة الى جانب جلسة أخرى لمناقشة الوضع العام».

 

باسيل: لبنان على وشك التدهور
على صعيد أزمة النازحين، ورغم إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مبادرة للمساعدة في حلّ أزمة النازحين، برز موقف معارض من الوزير المشنوق الذي أشار الى أن «ما طرحه السيد نصرالله بمسألة النازحين هو تخلٍّ عن القانون وعن الدولة والأمن عام يقوم بعمل ممتاز في الملف والتنسيق بين المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم والحكومة السورية موجود». غير أن الرئيس عون والتيار الوطني الحر يؤيدون خطوة السيد نصرالله وينسقون مع حزب الله في هذا الإطار، وحذر باسيل من انّ «الوضع الاقتصادي في لبنان على وشك التدهور بفعل وجود أعداد كبيرة من النازحين السوريين»، مشيراً بعد لقائه وزير التجارة الهولندية سيغريد كاغ الى «أني أكدت للوزيرة الهولندية أن لبنان استعاد استقراره وأمنه الداخلي، وذلك عزز استقلالنا وسيادتنا». بدورها شدّدت كاغ على انّ «هولندا تبحث عن وسائل لتعزيز التعاون مع لبنان في مجالات مختلفة ونتطلع الى الاستثمار والى تعزيز اقتصاد لبنان، كما أن تركيزنا منصبّ على العودة الآمنة للنازحين السوريين».

اترك تعليق

قم باضافة تعليق
الرجاء ادخال اسمك هنا