تقدير موقف
هيثم الخزعلي
تتسارع وتيرة الاحداث في المنطقة والعالم، على وقع مجريات الحرب في سوريا، وباتت لغة الحرب والصدام العسكري، بين محوري المواجهة، تنتقل من التصريحات النارية الى التلويح باستخدام الاسلحة النارية، من صواريخ بعيدة المدى هددت باستخدامها اميركا، ضد اهداف سيادية في دمشق، الى تهديد الرئيس الروسي بوتين، بالرد على اي استهداف بالاسلحة النووية، ضد بلاده او اي من حلفائها.
اذن نحن امام معطيات جديدة، تبلورت نتيجة للهزيمة الكبيرة، التي منيت بها المجاميع الارهابية، المدعومة من المحور الامريكي، في الغوطة الشرقية، ولا بد لنا من التوقف عندها، فطبول الحرب باتت تقرع، وعلينا متابعة مصادرها، وتفكيك شفراتها، فقد تكون هذه التصعيدات، ترجمة لسياسة حافة الهاوية، التي تعتمدها اميركا، في الازمات التي تفقد فيها السيطرة على مجرياتها، او تفشل في تحقيق اهدافها، وفي كلتا الحالتين علينا تحليل هذه المعطيات لنخرج بتقدير للموقف، يمكننا من فهم ما يجري، ووضع سيناريوهات المواجهة.
ابتداء لابد من القيام بعملية جمع للقرائن، في كلا الاحتمالين قيام حرب، اوعدم قيامها, لكي نجيب على سؤالين رئيسين:
اولا: هل ستقوم حرب جديدة في المنطقة فعلا ؟
ثانيا: من هي الاطراف التي ستشترك في هذه الحرب ؟
قرائن تؤيد قيام الحرب :-
1-خلفية الصراع في سوريا وتشمل :
أ) احتكار اسواق الغاز العالمية، من قبل المحور الروسي، والغاز هو الطاقة الصاعدة في العالم في غضون 25سنة القادمة, وسوريا تضم ثاني اكبر احتياطي للغاز في العالم.
ب) تهديد الاقتصاد الامريكي، في حال سيطرة المحور الروسي على اسواق الغاز العالمية, وخشية امريكا من تراجع اهمية الدولار، اذا ما قرر المحور الروسي، عدم اعتماد هذه العملة في تعاملات بيع الغاز.
ج) تنامي التهديد لاحد ثابتي السياسة الامريكية في الشرق الاوسط وهو (الامن الاسرائيلي).
2- تهديد الخطوط الحمراء الاسرائيلية المتمثلة باللاءات الثلاث :-
أ) لا لنقل اسلحة متطورة الى حزب الله في لبنان.
ب) لا لصنع صورايخ دقيقة في سوريا ولبنان.
ج) لا لنشر قوات ايرانية شيعية بمحاذات الجولان.
خصوصا بعد ثبوت عدم جدوائية الضربات الجوية الاسرائيلية، بمنع حزب الله من نقل اسلحة، خصوصا بعد اسقاط طائرة ال F16 الاسرائيلية.
3- تهديد الولايات المتحدة بالذهاب لعمل منفرد،مع حلفائها، اذا ما عجز مجلس الامن، عن معالجة الاوضاع في سوريا, وايدتها بريطانيا وفرنسا.
4- تصريح روسيا بنية واشنطن مهاجمة اهداف حكومية سورية بصورايخ مجنحة.
5- تجمع قطع حربية امريكية في قبالة سواحل البحر المتوسط.
6- نقل روسيا لبطاريات صواريخ متطورة الى سوريا، بالإضافة لمنظومة اس 400 واس 500 ، وطائرة الشبح الروسية، التي لم يكشفها اي رادار، الى ان ظهرت في سوريا.
7- ابلاغ روسيا لايران بنية واشنطن واسرائيل، شن هجوم على حزب الله وسوريا بعد معركة الغوطة.
8- قيام الولايات المتحدة واسرائيل، بمناورات عسكرية تحاكي الحرب مع حزب الله، واشتراك الحليف الروسي فيها.
9- سحب حزب الله عشرة الاف مقاتل، من سوريا الى لبنان، لتامين حدوده مع اسرائيل، كما تنقل بعض المصادر.
10- دعوة روسيا لقوات الاحتياط.
11- وجود تقارير تشير لاستئجار الاسرائيليين لمجمعات سكنية في المانيا وبعض دول اوربا.
12- اقالة وزير الخارجية الامريكي تيلرسون، وتعيين بومبيو مكانه، يعني تعزيز الاجراءات العسكرية الامريكية في المنطقة .
اما القرائن التي تدعم خيار عدم قيام حرب:-
1- احتمالية سقوط 3000-4000 صاروخ يوميا على اسرائيل، مع ان الاسرائيليين، يعيشون في مساحة 22 الف كم مربع، بواقع كثافة سكانية 320 شخص في الكم المربع الواحد .
2- احتمالية استهداف احواض الامونيا او مفاعل ديمونا من قبل حزب الله.
3- اسقاط طائرة ال F16 افقد اسرائيل تفوقها الاستراتيجي على حزب الله.
4- تهديد روسيا بالرد الفوري على اي هجوم يستهدف حلفائها.
5- لا مصلحة لروسيا بنشوب مواجهة بين سوريا واسرائيل، قد تفقدها استثمارها الطويل للمحافظة على نظام الاسد.
6- احتمال تطور الحرب الى صراع عالمي او حرب عالمية ثالثة .
الان نعود لاستنتاج الاجابة عن السؤالين الذين تم طرحهما سابقا, ولكن ليس على اعتماد عدد المرجحات والقرائن فقط، وانما اعتمادا على الاوزان النسبية لكل مرجح ايضا:
س1: هل ستقوم حرب في المنطقة ؟
ج : نعم
س2: من هي الاطراف التي ستشترك في الحرب ؟
ج : هناك تخوف اسرائيلي يهدد وجود الكيان الصهيوني برمته، يتناسب عكسيا مع انتصار واستقرار سوريا, فاسرائيل تشعر بان الخطر حولها يزداد كل يوم، مع ازدياد تواجد ايران في سوريا, وحلفائها من فصائل المقاومة, وتنامي قوة حزب الله الى درجة تهدد امن اسرائيل، فشن الحرب الان امر اكثر جدوى لاسرائيل من شنها بوقت لاحق, ولان روسيا تعتبر سوريا حليفا اساسيا لها ولديها مصالح كبرى في سوريا, فلابد من العمل على تحييد الجانب الروسي في المعركة, اي تفكيك جبهة الخصم، مع ضمان تدخل الولايات المتحدة وحلف الناتو، الى جانب اسرائيل, ولذلك فان اسرائيل والولايات المتحدة، ربما تقوم ابتداءا باستهداف حزب الله، بهجوم قوي واجتياح بري، وعدم مهاجمة سوريا لغرض تحييد الجانب الروسي, واطلاق الاشاعات باحتمال استهداف سوريا، لردعها عن مساعدة حزب الله، ولان استقرارها حاليا هش، ولاتريد حربا خارجية مع اسرائيل والناتو, والارجح في حال قيام حرب ان تواجه اسرائيل ثلاث جبهات في سوريا ولبنان وغزة, مما يستدعي التدخل الامريكي والاوربي والروسي, وهنا ربما تخرج الامور عن السيطرة.
اما امريكا فقد تدفع اسرائيل لضرب حزب الله، وادارة حرب محدودة لا تتطلب ردا خارج المجال الجغرافي اللبناني، لضمان تحييد ردود افعال محور المقاومة، وفي كل الاحوال فان حساب الحقل غير حساب البيدر، وقد تخرج بعض الاحداث عن السيطرة، لتجر المنطقة والعالم الى مالا يحمد عقباه.